244

بیروت او لبنان له یو قرن او نیمه پېړۍ راهیسې

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

ژانرونه

إنهم يبالغون في منح الألقاب كما يبالغون في مجاملاتهم وجميع أقوالهم وأحاديثهم. ولكن الشقة بعيدة جدا بين أقوالهم وأعمالهم؛ فالوعد والوفاء به هما شيئان يختلفان تمام الاختلاف في الشرق وجبل لبنان.

إن البروتوكول المتبع عندهم في تدبيج الرسائل وتوجيهها لا يعرف حدودا؛ فكل عائلة وكل طبقة من الناس لها ألقابها وتبجيلاتها التي تتميز بها من غيرها. وهذا علم خاص وصعب لا يحسن حفظه وإتقانه أي امرئ كان؛ فعلينا عند الاقتضاء أن نفتش عن الذين يحسنون الكتابة لنكتب حسب الأسلوب الذي نرغب فيه. أما هؤلاء الأشخاص المختصون بهذا الفن فيتميزون بدواة يشكونها في زنارهم، وهي تكون عادة من الفضة. إن أسلوب المجاملات في الكتابة قضية على جانب كبير من الخطورة في نظرهم؛ فرب كلمة واحدة أهملت فأدت إلى عدم قضاء الحاجة التي تطلبها.

فوصف الرجل بالرفيع الشأن، والأجل الأمجد، والمحترم، لا بل المقدس؛ تستعمل عندهم بكثرة غريبة. إنهم يرفعون الرجال عاليا حتى يخيل إلينا أنهم يخاطبون أنصاف آلهة لا بشرا. ويجب أن نعترف هنا أنهم بقدر ما يجلون الآخرين ويبجلونهم يتضعون هم ويحقرون أنفسهم. فصاحب الرسالة يسمي نفسه الفقير والحقير، أو عبدك، أو المطيع لك، أو أخاك، وصديقك عندما توجه رسالة إلى نسيب قريب أو صديق مخلص.

ليس يسعنا نحن أن نعرب لرئيس ما أو زعيم خطير كالباشا - مثلا - عن كثير من هذا التذلل والخضوع؛ وهكذا نجد هنا تناقضا كبيرا بين عاداتنا وعاداتهم؛ إذ بينما نجرؤ نحن على مخاطبة الله بسؤالنا إياه أن يحرسنا كبؤبؤ العين، يكون الشرقي جد سعيد إذا تشرف وسمح له أحد الباشوات مثلا أن يقبل التراب الذي يدوسه.

ولا يجوز - عملا بأحكام هذا البروتوكول - أن توجه الرسائل إلى جناب الست مثلا، بل إلى حضرتها. أما الزعماء الكبار فلا يخاطبون بهذا أو تلك، بل بهاتين اللفظتين معا: إلى جناب حضرة ...

أسندت إلى غندور الخوري أعمال قنصلية فرنسا، ولم يكن من عائلة شهيرة، فتناقشوا طويلا حول منحه ألقابا جديدة بداعي المهمة الجليلة التي رفعته عاليا؛ ومن ثم لتعريفه إلى الناس بمجرد الاطلاع على عنوان الرسائل الموجهة إليه؛ فاجتمع الأقارب والأصدقاء لبحث هذه القضية الخطيرة، فاقترح كل منهم لقبا ظنه كافيا، إلا أنه لم يسلم بواحد من تلك الألقاب لأنهم رأوها جميعها لا تفي بالمرام، ولا تؤدي الغاية. وأخيرا وقف أحد المؤتمرين قائلا وقد نفد صبره: «أرى أنكم سوف لن تحكموا على اقتراحي الذي سأتقدم به كما سبق لكم أن حكمتم على سواه. أرجوكم أن تضيفوا إلى اسمه البروتوكولي: أيها الرب ربنا، كم هو جدير اسمك بالاحترام في جميع أنحاء الأرض. إن عظمتك رفعتك إلى ما فوق السماوات.»

2

إن أبناء الجبل خبثاء جدا حتى إنهم ينشغلون بمعنى الكلام المجازي عن انشغالهم بمعناه الصحيح؛ وهكذا، دون أن ينتهبوا إلى موضوع الحديث، فإنهم يعلقون أهمية كبرى على معنيي الكلمة اللذين لم يقصدهما المتكلم. ومن هنا نشأ التحفظ في انتقاء التعابير عند من يدققون في كلامهم، أو الاستدراك بقولهم: بلا معنى، بلا قافية، عندما لا يسعهم الاستغناء عن الكلمة التي تكون ذات معنيين.

أما إذا تكلموا عن مرض أو حادث مؤسف فيضيفون: بعيدا عنك، أو وقاك الله.

ولقد بلغوا أقصى هذه الوساوس فصاروا يتحاشون ذكر أسماء نسائهم حينما يتحدثون عن أسرتهم؛ فيعبر الرجل عن زوجته في معرض الحديث - كما يعبر عن ذلك عند الأتراك - بهذه التعابير التقليدية: أهل البيت، بنت عمي، أو أم فلان - إذا رزقت ولدا. وعليهم، إذا ما استعملوا كلمة امرأة فحسب، أن يشفعوها حالا بالاستدراكات اللائقة، كما لو كانوا يتحدثون عن شيء خسيس، دني.

ناپیژندل شوی مخ