بیروت او لبنان له یو قرن او نیمه پېړۍ راهیسې
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
ژانرونه
وإذا كان لقب قنصل أسمى ما يطمح إليه الشرقيون في الشهرة، فكثيرون من الأوروبيين ينشدونه أملا بالاستفادة والمنفعة الخاصة؛ إلا أن هذه الوظيفة ليست عند الجميع ستارا للدسائس الدنيئة والاتجار البشع. وقد عرفت عددا كبيرا من القناصل ووكلاء القناصل الإفرنسيين جد شرفاء، سواء أكان ذلك بالنظر إلى صفاتهم الشخصية أم بالنظر إلى ممارستهم عملهم الرسمي.
وهنالك أيضا فئة من الناس لم يطمحوا إلى هذا المنصب إلا تهربا من متاعب قنصلهم، وأول فائدة يجنونها تكون في وضع الوكيل تحت تصرفهم المطلق، ومنحه صلاحية تسهيل أعمالهم وقضاء حاجاتهم مع السلطات المحلية.
طلب مني - في أثناء قيامي الطويل بالمهمة الموكولة إلي في الشرق - قضاء حاجات من هذا النوع لقاء قبضي مبلغا كبيرا من المال، بحجة أن وكالة إحدى الدول الأكثر نفوذا في هذا البلد، هي تقبض بدورها أيضا. ولما كان التلميح من خصائصنا، فقد أحببت أن أجيب أن قوانيننا تحظر علينا تعيين «الرؤساء» وتحرم على الإفرنسيين قبول مناصب أجنبية.
إلا أن بعض الإجراءات المخالفة للأنظمة شجع فريقا من المواطنين على تجديد محاولاتهم. ولما أحببت أن أعرف لأي سبب يحاولون اكتساب صفة تمنعها قوانيننا، كما أن الدولة التي يراد تمثيلها ليس لديها في الإسكلة المذكورة بيوت تجارية ولا ملاحة، أجبت إذ ذاك بأنها مفخرة فقط، فاكتفيت بالقول: «إن الصفة الإفرنسية هي مشرفة في نظري أكثر من جميع الألقاب الأجنبية التي يمكن منحها، وإني لأحمر خجلا إذا فكرت في نقيض ذلك.»
الفصل الثامن عشر
تراجمة - مستشارون (مهردار) - مساعدو الترجمة - سماسرة - موظفون آخرون. ***
في المشرق فئة أخرى من الموظفين ليست بأقل نفعا. إن التراجمة الذين يقومون بمهمة مستشارين أيضا يجب أن يقسموا طبقتين ليس إلا؛ فليست آفتهم أنهم لا يقومون بالخدمات المجدية وحسب، بل إنهم يسببون أضرارا. كانوا يطرون في عاصمة السلطنة العثمانية مواهب الترجمان الذي هو من الطراز الأول، حتى قالوا: الدولة هي الترجمان. وإذا استعملنا التعبير نفسه أمكننا أن نقول: الترجمان - في بعض الأماكن - هو القنصل.
أما اليوم بعدما أخذ السفراء يزورون السلطان ووزراء الدولة بدون وسيط فيتفاهمون، وابتدأ القناصل يراجعون بأنفسهم الباشوات في شئونهم الهامة؛ فإن أهمية الترجمان - وإن لم تصبح عديمة الفائدة نظرا للمناسبات التي يعتاض فيها عن الحق بالخديعة - قد فقدت كثيرا من أهميتها. بيد أنه لا يمكن الاستغناء عنها لاضطرار القناصل إلى اتباع أساليب غير شرعية لكيما يتغلبوا على المصاعب التي يلاقونها في الشريعة الإسلامية. إن تلك الأساليب تستغرق بحثا طويلا، وهنا عمل الترجمان. ولكيلا يظن أننا تعلمنا أن نعوي مع الذئاب فإني أسأل القارئ: أيفضل أن يرجع عن ادعائه بسند قديم مات الذين شهدوا بصحته، أم أن يشتري شهودا جددا يصرحون - لدى مثولهم أمام القاضي - بأنهم كانوا حاضرين لدى توقيع العقد، على الرغم من أن اسمهم لم يذكر فيه؟ وإذا عولنا على شراء هؤلاء الشهود فلا بد لنا من تلقين هؤلاء الأشخاص درسا كافيا ليحسنوا الإجابة عن الأسئلة التي يمكن أن يطرحها القاضي عليهم؛ وهنا عمل الترجمان ومقدرته.
قتل خادم أحد الإفرنسيين شابا. كانوا ثلاثة فتيان يقلبون بندقية بعد أن أفلتت منهم الطريدة، فقتل الشاب قضاء وقدرا، غير أن العدالة لا تسلم مطلقا بهذه الأسباب التخفيفية؛ فالقاتل يجب أن يعدم. اهتممت بتمهيد سبيل الفرار للخادم، وسعيت لحمل عائلة القتيل على القبول بالدية، إلا أني لم أوفق إلى تهدئة روعها؛ فصار حضور الإفرنسي الشاب أمام المحكمة المحمدية واجبا، فعمدت إلى القيام برشوة القاضي لأربح القضية. وكان لي ما أردت، فبردت همة القاضي ، مع أن أوامر الباشا لا تفسح في مجال التأجيل والتأخير.
عرفت تراجمة لا يرون شيئا مستحيلا. ولما كانت الأمور لا تعالج كلها على نمط واحد، لأن الأساليب الأكثر لفا ودورانا هي التي تؤدي - بلا ريب - إلى النتائج الطيبة. كان على التراجمة - متى كلفوا بحل قضية صعبة - أن يقوموا بمجهود كبير، ويدبروا حيلا ناضجة، ويبذلوا نشاطا عظيما. إنها هنا تظهر مقدرة الترجمان والحاجة إليه.
ناپیژندل شوی مخ