بیروت او لبنان له یو قرن او نیمه پېړۍ راهیسې
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
ژانرونه
إننا نجد في المشرق عددا من العمال الذين برزوا إلى هذا العالم حائزين على أهلية فريدة، لا بل على عبقرية غريبة، فبرزوا في فن من الفنون كما يبرز ويتفوق رجال السياسة العظام في أوروبا،
1
إلا أنهم لا يخلفون أثرا بعدهم، أو يبنون شيئا؛ وهكذا يطويهم الموت ويطوي معهم التقدم الذي أحدثوه في مهنهم. إن ظهور هؤلاء العمال الموهوبين لهو أشبه بوميض البرق، ووجودهم في الأساكل يعد حدثا خطيرا، فيشعر الناس عند موتهم أن فراغا حدث، وهيهات أن يسد غيرهم ما سدوا!
والبون الذي يرى بين الرجال الذين وهبوا بعض النبوغ، وبين زملائهم الآخرين في الفنون نفسها، هو في الواقع شاسع جدا. إلا أن العلوم هنا نادرة الوجود، وهي لا تعضد ولا تشجع؛ فالسلطات الأوروبية التي تشجع الاكتشافات وتحمي المخترعين لا تحرك ساكنا في هذه البلدان، مع أن عمالا أذكياء يبدعون أشياء جديرة بالانتباه. إنهم يكتفون باستخدامهم، وفي أكثر الأحيان يسخرونهم ولا يدفعون لهم أجرا. والعامل الماهر المتفوق في سوريا نكرة فقير لا يترك شيئا بعده.
نجد في بيروت عددا وافرا من حاكة الزنانير الحريرية التي تلف حول الخصر أو يعصب بها الرأس (يريد الكوفية)، وعددا آخر لا يقل عنه من صانعي الصناديق. إن صناديق هذه المدينة ذات اللون الأحمر والأخضر قد حازت شهرة واسعة في جميع أنحاء سوريا ومصر حتى استوردت منها كميات ضخمة؛ إذ لا بد لكل عروس في هذه الديار من أن تتزود بصندوق مرصع بمسامير مذهبة الرأس.
وهنالك صنف آخر ثمين تخرجه مصانع بيروت يسمى «الكلفا»
kalva ، وهذا أيضا يعد من الجهاز الذي تصطحبه العروس، وهو عبارة عن عجين يصنع من عصارة مسحوق جذور الكلفا (؟) والخروب الممزوج بالسيرج.
أنشئ في بيروت - يوم كنت فيها - فرع لمصانع مناديل حلب التي اشتهرت بجودتها وجمالها في جميع أنحاء سوريا؛ فكل ما كانت تخرجه هذه المعامل لم يكن يوازي الكمية المستهلكة. والفضل في هذا الاختراع المشهور يعود إلى أحد أولئك العباقرة الذين يظهرون في الأمة العربية من وقت إلى آخر. لقد عرف الشرق قديما هذا الضرب من الصناعة. إلا أنه جدد فيه بعد أن أدخل عليه تحسينات ذات شأن، فهذه المناديل كانت تصنع فيما مضى بإنكلترا وحدها، وكانت من شاش غليظ جدا، أما علامتها الفارقة اليوم فطابع مستدير، أحمر اللون، يمثل كف أسد، وهذا الرمز وحده يثير خيال العرب السريع الانفعال؛ ولهذا أقبل الناس على هذه المناديل رجالا ونساء، تصنع هذه الدمغة من الشمع، وبالطريقة نفسها تحول إلى لون أزرق دون أن يفسد اللون الأصلي؛ ومن ثم يأتي الكشكش الغليظ - وهو أحمر أيضا - فيحيط بهذه القطعة المربعة الحجم. في هذا وحده ينحصر فن هذه المناديل (الحطة) التي يفضلها عرب الصحراء وأبناء الجبل على كل المنتوجات من بنات جنسها. إنهم يريدون جميعا التلثم بكف الأسد، فكأنهم يتفاءلون بأنها تولد فيهم بعض صفات الأسد الذي هو أكثر الحيوانات عتوا وشجاعة وقوة.
ومدينة بيروت مشهورة أيضا بأباريقها. أما المنزلة الأولى في عمل الأباريق فهي لبغداد، ثم لمصر. ولكن لأباريق بيروت المصنوعة من الفخار خاصة تبريد المياه لأنها كثيرة المسام التي ينفذ منها الهواء.
إن أهم عمل يتعاطاه أهالي بيروت ولبنان هو زراعة شجر التوت الأبيض الذي يربى على ورقه دود الحرير. إن تربية دود الحرير هي العمل الذي يتعاطاه جميع الأهالي؛ لأنها تهم بوقت واحد الرأسماليين وأصحاب الصناعة؛ فالذين لا يستعينون بغيرهم على حراثة التوت وتربية دودة القز يتعهدونهما هم بأنفسهم، ولا تقتضيانهم الانقطاع عن أعمالهم ومهنهم إلا شهرين ثلاثة.
ناپیژندل شوی مخ