كان الغروب القاني قد بدأ يزحف.
ولعلها المرة الوحيدة، منذ العدوان المروع والحصار، التي ينسى فيها فتاته الجنوبية الضالة، متذكرا من فوره العالية وأختها.
جاءته من فوره العالية الأخت الصغرى تزحف على أربع عبر الميدان المسور بمقاهي الشمامين والزعران، تبحث عن ماذا ... فردوسهما المفقود الذي كان.
أحس من فوره براحة تسري في أعصابه، بدءا من قدميه العطنتين داخل حذائه، مرورا بساقيه وركبتيه ورأسه.
أصبح المكان الغاص بالرجال أكثر شاعرية، بل لقد انفتحت أكثر من شرفة، وبالكون أطلت منها نساء متحررات من معظم ملابسهن.
يبدو أنه لم يكن يلحظهن منذ أن دلف إلى هنا لاهثا متشويا: ياه.
أخرج من فوره مائة ليرة متحسسا، ودسها خلسة في جيب محدثه، الذي رفض في البداية مصرا على رد المبلغ، إلا أنه أصر بدوره وعيناه على فتيات الشرفات أعلى بدلا من الطائرات.
وحين رضخ الرجل اللبناني القصير إلى القبول، قدم إليه من جديد جرعة ضعف سابقتها، وأكثر من سيجارة، وتجددت القهوة السادة، وصفا الجو.
ويبدو أن أخبار الراديو بدورها جاءت بالجديد المشجع: هدنة.
ذلك أن التصفيق جاء مدويا من داخل المقهى وبقية المقاهي المواجهة، وعربة بائع السجق الساخن وزبائنه، وتعالت الضحكات والتعليقات: إفراج. - نشم فقط نفسنا. - إلهي يهد حيلهم. - عصابات. - ريجن وبيجن. - بيجن وبيجن. - بيجن وشريكه.
ناپیژندل شوی مخ