ثم غمغم وهو يمضي إلى مكتبه: «الله جميل يحب الجمال.»
15
وحين المساء أغلق السيد الدكان، وغادره تحف به المهابة ويتضوع منه عرف طيب، ثم مضى صوب الصاغة، ومنها إلى الغورية حتى قهوة سي علي، فلحظ في مروره بها بيت العالمة وما يكتنفه، فرأى الدكاكين التي تمتد على جانبيه لا تزال مفتوحة وتيار السابلة في تدفقه، فواصل السير إلى بيت أحد الأصدقاء حيث قضى ساعة ثم استأذن عائدا إلى الغورية وقد غشيتها ظلمة فانقلبت كالمقفرة، وجعل يقترب من البيت آمنا مطمئنا، ثم طرق الباب وانتظر وهو يدقق النظر فيما حوله، ولم يكن ثمة نور إلا ما ترامى من كوة بقهوة سي علي، ومصباح غازي على عربة يد عند منعطف السكة الجديدة. وفتح الباب وبدا شبح خادم صغيرة فبادرها متسائلا بصوت قوي غير متردد ليوحي بما يود من الصدق والثقة: الست زبيدة موجودة؟
فرفعت إليه الخادم رأسها وسألته بدورها في تحفظ أملته عليها ظروف وظيفتها: من أنت يا سيدي؟
فقال بصوته القوي: شخص يروم الاتفاق معها على إحياء ليلة.
وغابت الخادم دقائق ثم عادت وهي تقول: «تفضل»، وأوسعت له فدخل ورقي وراءها في سلم متقارب الدرجات انتهى به إلى دهليز، ثم فتحت له بابا في مواجهته انتقل منه إلى حجرة مظلمة، فظل واقفا على كثب من المدخل وهو ينصت إلى أقدام الخادم وهي تجري، ثم وهي تعود حاملة مصباحا، وتتبعها بعينيه وهي تضعه على خوان، وتجيء بكرسي إلى وسط الحجرة وتقف عليه لتشعل المصباح الكبير المدلى من السقف، ثم تعيد الكرسي إلى موضعه وتحمل المصباح الصغير، وتغادر الحجرة قائلة في أدب: «تفضل بالجلوس يا سيدي.» واتجه السيد إلى كنبة في صدر الحجرة وجلس في ثقة وهدوء دلا على اعتياد هذا الموقف وأمثاله، وطمأنينة إلى الخروج منه بما يرضي ويطيب، ثم خلع الطربوش وحطه على نمرقة تتوسط الكنبة ومد ساقيه في ارتياح. رأى حجرة متوسطة الحجم نضدت بجنباتها الكنبات والمقاعد، وفرشت أرضها بسجادة فارسية وقام حيال كل كنبة من كنباتها الثلاث الكبرى خوان مطعم بالصدف، وقد أسدلت الستائر على نافذتيها وبابها، فحبست في جوها شذا بخور سر به متسليا بالنظر إلى فراشة راحت ترف على المصباح في نشاط عصبي، وانتظر بعض وقت جاءت في أثنائه الخادم بالقهوة، حتى ترامى إلى أذنيه وقع شبشب منغوم ذي دقات مدغدغة، فتنبهت أعصابه، وحدق إلى الباب الذي سرعان ما امتلأ فراغه بالجسم المفصل الهائل، وقد لف لفة شهوانية في فستان أزرق، وما كادت عينا المرأة تقعان عليه حتى توقفت دهشة وهتفت: بسم الله الرحمن الرحيم ... أنت!
فجرى بصره على جسمها في عجلة ونهم كما يجري الفأر على جوال أرز ليجد لنفسه منفذا، وقال بإعجاب: باسم الله ما شاء الله!
فواصلت تقدمها بعد التوقف باسمة، وهي تقول في خوف مصطنع: عينك! ... أعوذ بالله!
فنهض السيد مستقبلا يدها الممدودة بترحاب، وتشمم شذا البخور بأنفه العظيم وقال: أتخافين الحسد وعندك هذا البخور؟!
فاستخلصت يدها من يده وتراجعت إلى كنبة جانبية، وجلست وهي تقول: بخوري خير وبركة، إنه أخلاط من أنواع شتى بعضها عربي وبعضها هندي أؤلف بينها بنفسي، فهو جدير بأن يخلص الجسد من ألف عفريت وعفريت ...
ناپیژندل شوی مخ