وبدا أن السيد أحمد لم يكن الشخص الوحيد الذي شعر بالجو الطيب الذي خلقته السلطانة؛ فهذا جميل الحمزاوي يراوح بين مساومة الزبائن واستراق النظر إلى ما تيسر من جسم العالمة، وهؤلاء الزبائن جعلوا يجيلون أبصارهم بين البضائع لتمر في الذهاب والإياب بالست، بل بدا أن الزيارة المباركة قد لفتت بعض الأنظار في الطريق، فرأى السيد أن يقترب من السلطانة وأن يولي الباب والقوم ظهره العريض ليحول بينها وبين تطفل المتطفلين، بيد أن هذا لم ينسه ما كان فيه من أسباب الحديث، فقال يصل منه ما انقطع: قضى الله جلت حكمته أن يكون الجماد أحيانا أسعد حظا من الإنسان.
فقالت بلهجة ذات معنى: أراك تغالي، لن يكون الجماد أسعد حظا من الإنسان، ولكنه كثيرا ما يكون أجل فائدة.
فثقبها السيد بعينيه الزرقاوين، وقال متظاهرا بالدهشة: أجل فائدة! ... (ثم مشيرا إلى الأرض) ... هذا الدكان!
فوهبته ضحكة قصيرة عذبة، ولكنها قالت بلهجة لا تخلو من خشونة مدبرة: أريد سكرا وبنا وأرزا، فهل يغني الإنسان فيها عن الدكان شيئا! ... (وبنبرات اختلط فيها عدم الاكتراث بالدلال) ... ثم إن الرجال أكثر من الهم على القلب.
وكان السيد قد تفتحت له من الطمع أبواب، وشعر بأنه مقبل على شيء أجل خطرا من البيع والشراء، فقال محتجا: ليست كل الرجال سواء يا سلطانة، فمن قال لك إن الإنسان لا يغني عن الأرز والسكر والبن شيئا؟! الإنسان حقا من تجدين فيه الغذاء والحلاوة والكيف!
فساءلته ضاحكة: إنسان أم مطبخ هذا؟
فقال السيد بلهجة تدل على الظفر: لو نظرت من قريب لوجدت تشابها عجيبا بين الرجل والمطبخ ... كلاهما حياة للبطون!
وغضت المرأة بصرها مليا، وانتظر السيد أن ترفعه إليه موسوما بابتسامتها المشرقة، ولكنها واجهته بنظرة رزينة فأحس لتوه أنها غيرت «السياسة»، أو لعلها لم ترتح كل الارتياح لانزلاقها، فعدلت عنه ثم سمعها تقول في هدوء: أفادك الله! ... ولكن حسبنا اليوم الأرز والبن والسكر.
وتحول السيد عنها متظاهرا بالجد ودعا إليه وكيله، ثم وصاه بصوت مرتفع بطلبات الست، فأوحى مظهره بأنه قرر هو أيضا العدول عن «التودد» والعودة إلى «العمل»، ولكنها لم تكن إلا مناورة استعاد على أثرها ابتسامته الهجومية وتمتم مخاطبا السلطانة: الدكان وصاحبه تحت أمرك!
وكان للمناورة أثرها فقالت المرأة في دعابة: أريد الدكان وتأبى إلا أن تجود بنفسك! - نفسي بلا ريب خير من دكاني، أو خير ما في دكاني.
ناپیژندل شوی مخ