فهنأته بحرارة فقال: أنا أعلم أن حبك خالص لنا، فلا أكتم عنك إحساساتي ... إن سعادتي بلغت التمام ونلت اليوم ما كنت أعطي نصف مالي لنيله، فلا ريبة في أن وجهك كان سعدا علينا؛ لأن آلاء الله جاءتنا بوجودك من وراء الآمال ... وإني أعتقد ذلك كل الاعتقاد ... أنت في صحبتي اليوم إلى المطعم حيث نتناول الطعام مع جوزيفا وكوكو ... لا تتمنع ... - إن عندي شغلا في هذا المساء وليس في إمكاني قبول طلبك. - من منا الذي غرس في ريتا هذا الغرس المثمر أنا أم فركنباك ...؟ هذا الفكر عذبني زمنا طويلا، وكان قلبي يقوم ويقعد كلما ذكر فركنباك الأبوة أبدى سروره بالولد الآتي.
فاسترسلت لشجن عميق وأفكار مؤلمة، ولم يعد يخطر لي غير أن فركنباك زوج ريتا حبيبتي، وربما كان الولد الآتي ولده.
الفصل التاسع
وأخذ بطن ريتا يكبر ويتمدد فضاق عليها المشد، وبطؤت حركتها، وتحرك الجنين في بطنها وزال ماء الجمال من محياها، وامتلأت بشرة وجهها ببقع غيبت بهاءها، وأفقدتها دلالها السالب قديما، وملاحتها وحسنها الجاذب، بل غيرتها من قالب إلى قالب، فحزنت لرؤيتها، واستأت لعلتها، وغمني منظر الملاك الكريم راضخا تحت وقر الآلام، يصد عنه الرائي بعد أن كاد يقرئه والسلام، على أني مع شفقتي عليها لا أعلم لما نفرت منها وكرهتها نفسي ... لعل ذلك لأجل الولد الذي كان مزمعا أن يربطني بها برباط لا ينفصم.
وهذه المرة ليست كتلك المرة، فقد خافت من تنافرنا القبل وهجرتنا، ولو لم تأت ظروف تدعو لاجتماعنا، لأفضت بنا الحال إلى نزاع طويل وإلى شحناء عبوس.
وكانت ريتا لم تألف ابتكارا من نومها، فاستيقظت ذات يوم على غير عادتها، وشكت ألما مبرحا في الكلى، فدعوا الطبيب فقال بعد فحصها: إن حالتها تنذر بالخطر، فلطم البارون على وجهه، وندب حظه وبكى حتى لان الحديد، وذاب الجليد، على أن ريتا نقهت من مرضها بعد زمن قصير وبشر الطبيب بزوال الخطر عنها، فقال البارون: هذه أيضا من بعض أسعاد القدر، وكنت في مرضها أؤانسها وألاطفها؛ لتطيب نفسها وتقر عينها.
وكانت تتقلب ظهرا لبطن كالصل (الثعبان)، ومع ما كانت تؤلمها حركة ابنها كنت تراها راضية صابرة، كمن تصبر على الآلام؛ رجاء أن تبلغ المرام، وكان مرضها سببا لخلف المواعيد بيننا.
وكان الطبيب يزورها مرات في كل يوم، فيجلس إلى سريرها ويتلو عليها أخبار اليوم، ويقص على سماعها فكاهات ونوادر غريبة، تخفف عنها وطأة الحب.
وما زالت الأيام تجري في مجراها، والليالي تمر بالنجوم الضاحكة، فتضحك من صفاها، وريتا تتنازع البقاء إلى أن أزف زمن ولادتها، وصار منها أقرب من الجفن إلى العين، فثقلت حركتها ثقلا مبينا، وكنت تراها على الغالب جامدة البصر، كأنها تنظر إلى منظر بهي، ومنعت عنها الناس فأضحت غرفتها كوادي الموت، واستولت عليها رهبة السكون.
وفي صبيحة ذات يوم أبكرت إليهم، فراعني ما سمعته من أصوات غريبة وحركة رواح ومجيء، فسألت البارون: هل ولدت؟ - لا يا مكسيم، لم تلد بعد وإنما أنت تسمع صوت أختها فقد قدمت بالأمس من انجة، وعهدنا إليها تدبير المنزل مدة، وهي امرأة في غاية الرقة وقد حوت لطف العذارى، وخير ما اقتنت النساء من الآداب.
ناپیژندل شوی مخ