وقالت وهي تزغر لي بألفة كالأم حين تنهر ابنها: يح ... يى.
زغرة تغري بتكرار المعصية، ونهر يغري بتكرار الخطأ. ومن جديد عاودتني تلك اللحظات القصار التي نادرا ما كانت تعاودني، اللحظات التي أحس فيها بحبي لها دافئا حلوا حنونا غير مختلط بإحساس بالذنب أو بتأنيب الضمير، اللحظات التي أتمنى لو تدوم أبدا، وأبدا لا تدوم. اللحظات التي أحس فيها أيضا أنها متيمة بي، وأن كل ما أقوله أو أفعله محبوب، وكل ما يقال لي أحبه، لحظات السعادة.
وإمعانا قلت: ألم تخافي؟
فقالت: مم؟
قلت: من أن تعودي إلى وكر الذئب بأقدامك.
فقالت بلهجة جادة نوعا: وهل أنت ذئب حقيقة؟
وتمنيت لحظتها أن أتحول فعلا إلى ذئب وأنقض عليها، وآكلها بأسناني حبا كما تفعل الذئاب، ولكني قلت: ألم تقولي أنت هذا؟
فقالت وهي تموء: أوه، لم أكن أعني.
وفي إجابتها لمحت قليلا من خيبة الأمل التي بدأت تأخذ طريقها إلى حديثها ولهجتها. وكم ضج في صدري ألف هاتف قوي يهيب بي أن أنقض، وأن اللحظة التي انتظرتها دهورا قد حانت، ولكن أقسم أني لم أكن أعرف ماذا كان يمنعني، فقط كنت أناضل ما يمنعني، وأقاومه وأفشل في مقاومتي فلا أجد ما أفعله إلا أن ألعن تلك القوى الخفية التي تربطني في مكاني من المقعد وتقيدني بقيود فولاذية لا ترى.
وبينما كانت سانتي تأخذ طريقها خارجة وأنا واقف على الباب أودعها، كنت أعاني من حالة نشوة غريبة، ليست النشوة القصوى، ولكنها حالة ما قبل النشوة القصوى، إحساسك بأنه ربما غدا، ربما بعد غد سيقع الشيء، على الأقل أصبح لدي حد أدنى من الثقة بنفسي، على الأقل ضامن أنها ستأتي غدا، لم تقل هذا صراحة ولكني لمحته، الآن أستطيع أن ألتقط أنفاسي وأفكر وأتريث. والمؤلم أني لم أكن أستطيع أن أصدق أني سأصل إلى حالة النشوة القصوى هذه، لا أعرف لم؟ ربما لأني لم أكن أريد في قرارة نفسي أن أصل إليها أبدا.
ناپیژندل شوی مخ