قلت لها وأنا لم أفكر بعد في سبب مجيئها، وما زلت لم أهضم بعد فرحتي به: لم تشكني لشوقي إذن؟
وابتسمت، واحمر وجهها، ثم ضحكت فجأة، وضحكت أنا الآخر.
وكان علي في تلك الحالة أن أضرب بأي اعتبار آخر عرض الحائط، وأن أقوم وأجتذبها من مقعدها وأعانقها وأقبلها وأحس بها بين ذراعي وأمرغ أنفي في رائحة شعرها، وأغمغم لها بكلمات غير مفهومة ولكنها أبلغ من أي كلام.
ولكني كنت آخر إنسان في الدنيا باستطاعته أن يقوم بذلك العمل.
كنت لم أفق بعد من اللسعة المفاجئة التي كورت إرادتي وأعصابي، لم أكن أريد أن تتكرر المهزلة، بالاختصار كنت غبيا أو فضلت أن أتصرف بغباء وسلبية، وقد جربت الجرأة والإيجابية، فلم أنل منها سوى الألم المروع، بل بما هو أبشع من الألم، بالخجل المهين.
كنت مدركا تماما أن معنى مجيئها أنها قد أصبحت راضية، وأنها صفحت عن كل ما فات، ومستعدة أن تصفح عن أي شيء آت.
ولكن رأسي كان يدور به مئات الخواطر. كنت بالأمس قد يئست تماما منها! لو كان قد تبقى لي بعض الأمل لتضخم هذا البعض وقادني إليها، ولكني كنت قد يئست تماما، والأهم من هذا كان حديث شوقي عن غرامها بزوجها وقصة ذلك الغرام، بالاختصار كنت قد بدأت أحس أنها قد أصبحت شبه محرمة علي، وإن كان إحساسي هذا لم يرتفع إلى مرتبة الإدراك.
كانت أمامي في استطاعتي أن أمد يدي وأخطفها، ولكن لم أكن أستطيع، وعاجز حتى أن أقنع نفسي بأني أستطيع. كانت الحقيقة المذهلة الغريبة التي لم أكن أتوقعها أبدا قد حدثت ، كانت قد جاءت ، وليس سهلا أن ينزلق الإنسان من أقصى اليأس إلى أقصى الأمل دون أن يتمزق أو على الأقل يصل إلى مرحلة كالتي كنت فيها، مرحلة الشلل التام. أطبقت مرة على الفراشة فانتفضت مذعورة مستنكرة وطارت، وها هي ذي الآن قد عادت وحطت في مكان قريب، أقرب مما أتصور، بيني وبينها سطح المكتب اللامع فقط، فهل أنا مجنون حتى أعاود المحاولة مرة أخرى؟
كان لا بد أن أتصرف بطريقة ما، لا بد أن أفعل شيئا أرد به على مجيئها، ونظرت إليها نظرة تعمدت أن أحملها كل ما استطعته من مكر وقلت: بالأمس قلت لك إني آسف لما فعلته، ولكن أتعلمين شيئا؟
فرمشت بعينيها متسائلة تساؤلا لا معنى له؛ فقد كانت تعلم ما أريد قوله. فاستطردت: لست آسفا لأي شيء حدث.
ناپیژندل شوی مخ