فلما آل أمر الأسرة إلى أبيه - جورج كار شو - كان من فقراء أبناء النبلاء، وكان في صباه يعمل في مصنع للحديد، ثم وصل بنفوذ آله إلى وظيفة حكومية، ثم باع معاش الوظيفة بعد إلغائها، واشترك مع صاحب له في إدارة متجر لم يلبث أن أفلس، ولم يترك له غير مورد صغير يعول عليه في معاشه ومعاش بيته.
وكان يعاقر الخمر، ويتشاغل عن الجد باللهو، ويهرب من الهموم والأزمات، ويتقي مواطن الحسم ما استطاع.
فلما علم بإفلاسه أوى إلى حجرة معزولة، وظل يضحك ويستغرق في الضحك والقهقهة حتى أفاق من تلك الصدمة القاسية، وخرج من الحجرة كأنه لم يسمع بشيء.
وكان عجبا في رعايته للتقاليد واستخفافه بالتقاليد، فكان يجمع أسرته للصلاة ويقرأ لهم في التوراة، ثم لا يلبث أن يلقي بالكتاب من يده ويقول كأنما يخاطب نفسه: «كلام فارغ ... كلام فارغ» ... ويقطع الصلاة والقراءة ليعود إليهما بعد يوم أو يومين.
وكان يعزو سوء حظه إلى سبب «خرافي» غريب، ولكنه يدل على ضمير يحس الندم والرحمة؛ فقد كان يلهو بالصيد في صباه، فأطلق كلبا من كلابه على قطة عابرة فمزقها، فلم يزل نادما على فعلته إلى آخر أيامه، ولم يزل يعزو ما أصابه من العثرات والخسائر إلى ذلك الحادث الكريه.
كان جورج كار واحدا من اثني عشر أخا وأختا، لم يتمم تعليمه منهم غير أخ واحد، هو العم الذي تعهد برنارد الصغير بالمدرسة والتعليم في صباه.
وأب كهذا لا يظن به أنه يورث ابنه شيئا يظهر أثره في حياته الثقافية، وبخاصة إذا كان هذا الابن كاتبا من أكبر الكتاب في عصره.
لكنه في الواقع «مورث» ظاهر الميراث في ثقافة برنارد شو، وإن لم يورثه شيئا في رزقه.
فقد أورثه الاعتزاز بالوجاهة، وهو صفة يتشبث بها النبيل الخائب أشد من تشبث الناجحين الأعزاء في طبقة النبلاء.
وأورثه الاستخفاف بالتبعات والتقاليد، وربما أورثه أيضا صفة من الصفات الفنية التي تلاحظ في روايات برنارد شو، وهي اجتناب الأزمات ومواقف الحرج القصوى، فإن روايات شو جميعا تنتهي دون هذه المواقف ولا تتمادى إلى الذروة القصوى من الشعور.
ناپیژندل شوی مخ