وكان ناقلو الخبر قد أساءوا نقله، وأفهموا الكاتب أن الاعتراض على الرواية قد جاء من قبل الأساتذة والطلبة، فقال: «إن الطلبة المصريين فاتهم على ما يظهر أن العبارة التي لم ترقهم لم تصدر مني، وإنما صدرت من كوشون الذي عاش في القرن الخامس عشر، وإنني أفهم أن تسيء هذه العبارة وأمثالها إلى جماعة من الأميين، بيد أنني لا أدري كيف يأتي سوء الفهم من هيئة علمية كالجامعة المصرية. ألم يستطع أولئك الجامعيون أن يروا ما في المقارنة من المدح والثناء على النبي؟ ... ولماذا لم يقرءوا ما قال إيرل وأرديك من الإشادة بالإسلام على حساب المسيحية؟»
ثم ختم الحديث بشطحة من شطحاته فقال: «إن آخر كلمة أقولها في هذه القصة: إن الأساتذة يستحقون العزل العاجل جزاء لهم، أما الطلبة فقد يستحقون الصفح والإغضاء.»
وعزاء الأساتذة الذين عناهم شو أن العقوبة التي اختارها لهم أخف عقوباته لمن يتهمهم بالجمود والتضييق على الحرية الفكرية ... فهي رحمة وغفران منه حيث لا يقبل الرحمة والغفران.
صورة مجملة
تخلص لنا مما تقدم صورة مجملة لبرنارد شو واضحة الملامح، كثيرة الإشراق، قليلة التظليل، يقبلها الصديق ولا يرفضها العدو؛ لأن أصدقاء برنارد شو يحسبون حساب المبالغة المألوفة منه فلا يبلغون به مبلغ دعواه، أما أعداؤه فلا يحقدون عليه.
ومجمل الصورة التي تخلص لنا من أوصاف برنارد شو «الإنسان» أنه رجل طيب القلب محمود الطوية، مطبوع على البساطة والسلامة، يكاد يعيش في حياته الخاصة معيشة النساك المتألهين، فلا يأكل اللحوم ولا يشرب الخمر، ولا يحتفل بالمائدة في طعام ولا شراب ولا حلية، وأيسر ما يقال عن بساطة مائدته المفضلة أنها خشب بغير مفرش؛ لأن المفرش فضول، وجمال الفن مطلوب في مواضعه، وليس من مواضعه مائدة الطعام.
يعيش في حياته الخاصة معيشة البساطة، بل التقشف الذي لا يميزه من عامة الفقراء، وهو على هذا معدود من كبار الأغنياء، بل هو فعلا من أكبر الأغنياء بين زمرة الأدباء العالميين، وكثير من غير زمرة الأدباء.
وليست معيشته هذه عن شح ولا كزازة، ولكنها نفور من البذخ والبهرجة، وإيثار للسهولة و«ذوق» الرياضة ... وإنه ليحب المال ويعلن حبه ولا يرى معابة في جمعه وتوفيره، ولكنه حب لا يملك عليه رشده، ولا ينسيه ما هو خير من المال وأولى بتقديمه وإيثاره، فترك التأليف المسرحي زمنا وهو يدر عليه الألوف من أرباح المسرح، والصور المتحركة، وحقوق الطبع والترجمة في البلاد المختلفة، وشغل نفسه بتأليف كتاب رخيص الثمن يعلم به النساء ما ينبغي أن يتعلمنه من حقوق السياسة وآدابها وأسرارها، ولا تقل خسارته في هذا البدل المغبون عن عشرات الألوف من الجنيهات.
وهو على حقيقة طبعه في حياته الخاصة، لا صفة له أصدق وأعمق من البساطة والسلامة، وكل ما يعزى إليه من البذخ والتهجم فهو في ميدان الحياة العامة، على سن القلم وصفحات القرطاس.
ولك أن تسمي التنفج المألوف منه بذخا، والغلو الذي يلازمه في نقده وسخريته تهجما، إلا أنه بذخ القافية وتهجم النكتة، فليس بينه وبين النية المدخولة والطبيعة السيئة وشيجة من وشائج الطبع الذميم.
ناپیژندل شوی مخ