ويختلي بعد هذه الخطبة، ويفاوض الفرس، ويمضي يومان فيرسل جنوده من يطلب موادعة، ولا يجازى العصاة.
وهذه هي من الأحوال التي استحق بها الإسكندر لقب «الأكبر».
وفي أوقات أخرى يذنب تجاه الأخلاق اليونانية والفلسفة اليونانية ذنبا يبدو به ذا خنزوانة،
122
ومن ذلك أنه دمر عاصمة العدو: برسبوليس
123
بلا سبب ثم أرسل جثة دارا لتدفن مع الإكرام، ومن ذلك أن جعل الجيش المجتمع يحكم على قائد عاص فأمر من فوره بقتل أبي هذا القائد المتمرد مع براءة هذا الأب ومع كونه صديقا له. أجل، كان صاحب النفس العالية الإسكندر يحب محادثة أصحابه بالفلسفة عند تعاطي الراح، ولكن أحد أصدقائه المخلصين لاجه ذات مرة حول أصله الإلهي المزعوم فقتله حالا في أثناء نوبة جنون مفاجئة جافية، وما كان الأعقاب لينسوا هذا مع وقوعه في أثناء سكر الصاحبين.
وما كانت تربية الإسكندر الإغريقية لتقيه من جنون العظمة الذي لم ينج منه سوى القليل من الأقوياء، وقد بلغ من جنون العظمة ما كان يعد نفسه به سليل هركول وأشيل كما يعد نفسه ابنا لديونيزوس وأمون، ولم تنتشر هذه الأسطورة من قبل الملك في البداءة إلا للدعاية. وتسفر هذه العماية عن استياء حرس الإسكندر القديم وتمرده لحمل الإسكندر إياه على السجود أمامه على الطريقة الفارسية، ويؤدي عزمه على مزج العادات الإغريقية بالعادات الآسيوية، بتزوجه عدة أميرات فارسية وبأمره أكابر ضباطه أن يتزوجوا نساء من طبقة الأشراف الفارسية، إلى إلقائه بذور الارتباك في الأمتين بدلا من أن يوفق بينهما. ومن الممكن أن كان حبوط الإسكندر هذا يصلح نذيرا لنابليون وواقيا له من كثير من خيبة الأمل.
وتكثر المؤامرات مقدارا فمقدارا، ويدعو الملك ابن أخي أستاذه أرسطو إلى كتابة تاريخ مآثره، فيبلغ من الصراحة ما يتكلم معه ضد السجود فيقتل جزاء جرأته، وينم هذا القتل مرة أخرى على همجي غاب الإبير ورائض الخيل والعاطل من حليته اليونانية الرائعة، وعمل مثل هذا يضع الإسكندر على مستوى أي فاتح فارسي كما يضعه عليه إدخاله طقوس عبادة الملك.
وما يراه الأعقاب من الشأن في الصفات الخلقية التافهة ظاهرا والبارزة حقيقة يثبت من جديد كون المعارك الحربية والفتوح أمرا زائلا، ونقش الأخلاق وفتح القلوب هما اللذان يدومان، ولا تسفر وقائع الإسكندر بين الأنهار والجبال، ولا يسفر سفره إلى الهند واستيلاؤه على قسم من الشرق، عن غير ذكرى طاغية يسير إلى الأمام على الدوام، وذلك وفق ناموس فاجع، لا للقيام برسالة تمدن. ونرى الإسكندر في نهاية الأمر، وبعد سنة استراحة ذات بهرج، يستعد لفتح بلاد العرب سدا لثغرة بين مركزين يسيطر عليهما وهما مصر وبابل، والواقع أنك تجد في كل وقت ثغرة يجب على أحد الفاتحين أن يملأها ولو بذل في سبيل ذلك جهود حياته.
ناپیژندل شوی مخ