120
أن يتمثل صحاري غير مسكونة فيكتشفها أناس من الأجانب ويستولون عليها في نهاية الأمر. والحق أنه لا يوجد هندي ولا جرماني حول البحر المتوسط، والحق أن السكان هناك شعوب أصلية اختلطت بمئات من الشعوب الأجنبية. والحق أنه يوجد بين صور الرومان والجرمان من الخطوط المشتركة ما يوجد بين صور حيوانات العصر الجليدي وصور رفائيل، ولا غرو، فكلا الأمرين قد تم فوق أرضي الإمبراطورية الرومانية. وليس بالذي يذكر بجانب ما في نظرة الإنسان من قوة الإيحاء جميع الدراسات حول الاشتقاقات اللغوية وكسر الخزف وقطع الصور المرسومة على الأواني. ومن كان منصفا فيدقق في وجوه سكان صقلية والبروفنس وفلورنسة وبرشلونة وسلانيك وإزمير وحيفا والقاهرة، يجد جميع هؤلاء الرجال والنساء ذوي شعور دكن وعيون سمر، وأنهم يتشابهون فيما بينهم أكثر من مشابهتهم لأولئك الشقر الشعور والزرق العيون الذين يتلاقون في البندقية أو أرمينية تلاقيا استثنائيا.
23
وفي القصة أن رومة أنشئت يوم أقيمت قرطاجة ، ولم خرجت رومة ظافرة من صراع مائتي عام؟
من المحتمل أن تجد سبب ذلك في كون رومة مدينة غير ساحلية، وهذه المدينة قد أقيمت بعيدة من البحر مائة ميل بحري، وذلك على ضفة نهر صالح للملاحة، فكان يمكن أكبر السفن في ذلك الحين أن تسير فيه، ولكن في مأمن من القراصنة. واليوم لا تزال رومة تتمتع بمثل ما للمدن الساحلية من المنافع، وذلك من غير أن تكون عرضة لمثل ما يواجه هذه المدن، وتسيطر رومة على الطريق العسكرية الوحيدة بين الجبل والبحر، وهي لذلك تكون في وضع تقاوم به غزو الإتروريين واللاتين في الشمال وفي الجنوب، وهي لهذا الوضع الجغرافي كانت تشتمل على شعب بري نشيط متحد وعلى جنود ووطنيين، وبينما كان الأثنيون مفرقين منذ حالهم الأولى بين مختلف الخلجان والجزر لم يكن السهل الروماني ليتسع بغير الفتوح المنظمة كما كانت عليه الدولة البروسية في بدء أمرها. وما كانت مصاهرات الأمراء ومواريثهم لتأتي بأملاك بعيدة كما اتفق لبروسية فيما بعد؛ وذلك لأن رومة ظلت جمهورية سبعمائة سنة؛ أي ما يعدل عمر جمهورية سويسرة حتى الآن.
وما كان يشترك فيه الرومان الأولون والبروسيون هو ما يشترك فيه هذان الشعبان وقدماء الإسبارطيين، ومع ذلك لم يكن الملوك الأولون الأسطوريون، في الحقيقة، غير رؤساء لجمهورية كان يسيطر عليها أشراف من أصحاب الأرضين الواسعة في البداءة فصارت تدار بحلف من جميع الطبقات، ويعدل القنصلان، اللذان كانا ينتخبان حتى في عهد الملوك، حاكمين يؤدي تحاسدهما إلى حفظ الإسبارطيين من الجبروت، وعلى العكس كان السنات ضربا من المجالس العليا الوراثية التي تتمتع بسلطان دائم، ومع ذلك لم يعتم الفقراء أن ثاروا ضد كل ضغط فألفوا بمجالسهم الشعبية دولة ضمن الدولة التي زاد سلطانها سريعا.
ولا يشبه الدستور الروماني الذي ظل باقيا ألف سنة لقيامه على الحرية والنظام إلا بالدستور الإنكليزي الذي يختلف عنه في أمر واحد على الخصوص، وهو أن الحياة السياسية والتجارية لدى الإنكليز تقوم على التقاليد والشرف فلا تجد عند الإنكليز غير القليل من القوانين المدونة ومن الأوامر والنواهي، وأن الرومان بكروا في تسجيل جميع ذلك عن ألواح فأدى هذا إلى ظهور مبادئ فقهية انتشرت من البحر المتوسط إلى جميع العالم الغربي، واليوم لا يزال البتاغوني يتزوج ويرث أباه وفق المبادئ التي صيغت في رومة الفتاة منذ أكثر من ألفي سنة، وما كان الحق ليمارس على مقياس واسع بلا حرية. وبهذا يفسر السبب في كون إسبارطة وبروسية لم تستطيعا فتح العالم على الرغم من قوانينهما الشديدة شدة قوانين رومة. وكلا البلدين، إسبارطة وبروسية، تعوزه الحرية، وإذا ما نظر إلى الأمر من حيث النظام العسكري والزهد والترتيب وجد الرومان الأولون أكثر مشابهة لأهل إسبارطة مما لأهل أثينة، وكان الرومان أنفسهم يضحون بالروح في سبيل الدولة.
وذلك على خلاف مبدأ الحرية، فلم يقم إخلاص الرومان للدولة على ضغط يأتي من عل ولا على قسوة باردة، ولم تكن الطاعة مثلا عاليا كما في إسبارطة، بل كانت ضرورة ارتضيت طوعا، والأشراف، لكي يظفروا بذلك، اخترعوا حيلة دين الدولة الذي لم يكن مؤثرا في غير عهد الفراعنة حتى ذلك الحين، وقد عمر خيال الأغارقة عالم الآلهة، والرومان، لعطلهم وعجزهم عن تمثل آلهة جديدة، استعاروا من الأغارقة آلهتهم وأطلقوا عليها أسماء جديدة وجعلوا منها رموزا لقوانينهم الخاصة، ولا تبصر أمة كالرومان كثرة آلهة وقلة ديانة، والرومان وضعوا ضربا من حساب الدوبيا
121
مع الآلهة التي تقوم ببعض الواجبات في مقابل عدد معين من التقدمات، وكيف كان يمكن شعبا مثل هذا الشعب أن ينتج تماثيل وآنية وأغاني ومآسي تقاس بما أنتج الأغارقة؟
ناپیژندل شوی مخ