وعبادة الإله الواحد هذا هي التي نادى بها أفلاطون بعد أن رفع بركلس أعمدته الخالدة، وهذا هو الرب الواحد الجالس على العرش فوق إلهي الثالثوث الآخرين لدى الحواريين، وقد ملك كل واحد من هذه الآلهة أفئدة الأثنيين مدة عشرة قرون، والآن صار المؤذن في كل مساء ينظر إلى غياب الشمس في هذا الخليج الواقع بين سلامين وإيجين، وهو إذا ما التفت يمينا أمكنه أن يبصر من شرفته الضيقة صفي الأعمدة الرخامية البانتليكية
30
القائمين فوق البحر المتوسط، ولا يزال هذا المعبد، الذي هو أكمل ما شادته يد إنسان للإله الذي لا يدرك، سليما مع استيلاء كثير من الفاتحين على أثينة.
12
ولم تصب روح اليونان بغير نعاس، فعادت إلى الحياة ملتهبة، ولا عجب، فدور النهضة قد بدأ.
وما هو سر النهضة؟ وما هو سبب هذا الازدهار الحديث في الثقافة اليونانية بعد الأغارقة بألفي سنة، وذلك للمرة الثانية في أوج حياة البحر المتوسط؟ أوهذا فوز لشعب عظيم؟ أوهذا تمرد ظافر صادر عن طبقة مضطدة؟ أو هذا أثر سلام مثمر أو نتيجة ظهور رسول جديد؟ وما هو العامل في بروز الدور الواقع حول سنة 1500 ساطعا في التاريخ؟ وهل نجم هذا عن هبوب ريح الحرية بأوروبة في ذلك الحين؟ وهل نشأ هذا عن الإيمان بالإخاء الإنساني؟
لا شيء من ذلك كله، فكانت البلدان تغير سادتها في الغالب كما في الماضي، ولم تهز الطبقات الاجتماعية ثورات، وكانت الأديان تتنازع وفق العادة، وما كانت الملاحة لتجاوز دورا ثوريا نتيجة لاختراع آلة جديدة، ولم يطرأ شيء على نظام الحياة الدارجة.
والعامل الجديد هو ما كان من شعور نام بالحياة، وكان «اليوم الراهن» إله العصر، وكان النشاط والفهم والفن إلهات له، وكان ابن دور النهضة المحب للحياة وغير الخائف من الموت قادرا على اقتحام نصيبه، فدور النهضة حين أبان كيان الإنسان يكون قد أقام أدبا خلقيا جديدا.
وقد حاولت النصرانية أن تلائم الصحة الطبيعية وغريزة السعادة لدى الإنسان بما كان من تراض كثير وتساهل غير قليل وألم عظيم، والناس كانوا قد لقنوا وجود حياة أخرى يجزون فيها على فضائلهم وجرائهم، وذلك بعد أن كبكب آخر صنم يوناني يشتمل عليه أحد معابد البحر المتوسط في أثناء نوبة من الحميا الدينية، ومذهب متوعد مثل هذا كان قد جعل الناس في ألف سنة أسرى مستقبل مجهول إذن، وذلك مع إلقائه سلوانا في نفوس ملايين الآدميين الذين كانوا يشعرون بنصيبهم الجائز في هذه الحياة الدنيا، ومع ذلك فإن من النادر أن كان الإيمان الذي أحيا رغائب الإنسان الطبيعية مؤثرا في زمن تأثيره أيام الحروب الصليبية.
ولم يكن كبراء الناس، الذين ما انفكوا يخرقون ويقذفون منذ انقضاء القرون القديمة حتى دور النهضة، خالين من وخز الضمير، فهم ما فتئوا يقيدون بمن هم أضعف منهم نتيجة فلسفة تعظ بها الدولة وتؤيدها مع انتهاكها، كدولة زمنية، حرمة هذه الفلسفة بلا انقطاع، وما ظهر من تناقض في جميع القرون الوسطى النصرانية كان يعكر انسجام أتقياء النصارى مع أن المسلمين كانوا يتمتعون بهذا الانسجام تماما، ودين المسلمين يجل القوة والجهاد كما يسبح لله الواحد، والإسلام لا ينوط الحياة الأبدية؛ أي الجنة، بحياة بؤس في هذه الدنيا. وكان الجنوب أكثر من الشمال ذي الضباب شعورا بذلك التناقض في النصرانية، وفي الشمال ترى الحياة يسودها البرد وشدة الطبيعة، وفي بلاد البحر المتوسط لا تبصر غير الشمس والزرقة وكثرة الفواكه وفيض الخمر التي تسر القلوب، وفي البحر المتوسط ترى كل ساحل وجزيرة يقي ظلال الآلهة القديمة، ولا ترى مثل هذا فيما وراء جبال الألب.
ناپیژندل شوی مخ