138

بحر متوسط

البحر المتوسط: مصاير بحر

ژانرونه

وأوغل العرب والبربر في إسبانية في عشرين عاما متحدين طورا متقاتلين طورا آخر، وجاوزوا جبال البرانس وبلغوا نهر اللوار في فرنسة مع استمرار المعارك ضد النصارى، ثم تصادموا هم والجرمان بين تور وبواتيه سنة 732 وقهروا، ويمكن عد هذا التاريخ قاطعا من حيث مصير النصارى والمسلمين. والواقع أن هذه المعركة وضعت حدا لتقدم العرب، وذلك كما حدث منذ ثلاثمائة سنة حين وضعت معركة شنبانية، غير البعيدة من هنالك، حدا لتقدم أتيلا، وانتهى العرب بعد أن طردوا، أو دحروا، إلى إسبانية، وبعد أن هزموا على شاطئ دجلة من فورهم، أو انتهى أحد رؤسائهم، إلى السير مع كتائبه نحو الغرب، فنادى هذا الرئيس بنفسه أميرا على قرطبة مؤسسا في إسبانية منطقة لحضارة العرب. ومن حسن الحظ أن شارلمان الذي دعاه النصارى إلى مساعدتهم قد اضطر إلى تحوله عن ذلك نتيجة لفتن اشتعلت لدى السكسون، فدام بذلك ازدهار حديقة العرب هنالك، وقد غدت تواريخ الخلفاء التي ملأت خيال الناس في الأغاني ودور التمثيل مصادر روايات لشعراء الغرب، كما أن جميع الأمم لا تزال تقلد بسط العرب وحليهم وأدويتهم وعطورهم حتى أيامنا.

وقد غمر سيل من الجمال والمبادئ منطقة البحر المتوسط بعيد ذلك الفتح، وقد بلغ اختلاطه بذلك البحر من القوة ما يلوح معه تغييره لجريانه من بعض الوجوه، وهو في ذلك كالذي يأتي من البحر الأسود فيزيد ما يحويه ملحا في الدردنيل.

والحق أن العرب تلاميذ بزنطة في غير حال، تلاميذ بزنطة في صناعة السفن مثلا، فجعلوا قناة السويس صالحة للملاحة مدة قرن، والحق أن العرب لم يتعلموا العلم اللازم من مواطئ جمال جزيرتهم، وما فطر عليه العرب من الروح التجارية يذكر بالفنيقيين، وقد نما بسرعة فارتقى بعد بلوغهم البحر المتوسط كما يلوح، وقد قبضوا على زمام جميع التجارة مع الشرق الأقصى ولم يلبثوا أن وصلوا إلى روسية والبحر البلطي، ومع ذلك فإن أهم ما أتى به العرب إلى البحر المتوسط كان ذهنيا، كان ثقافيا تهذيبيا، ومن العرب في أشبيلية وقرطبة كان قد تلقى الحكمة، حقا، البابا سلفستر الذي عزي علمه المشهور إلى السحر.

وقد بهر بلاط شارلمان بالوفد الذي أرسله الخليفة هارون الرشيد إلى هذا العاهل النصراني حوالي سنة 800، وقد نقل فريق من الشعراء والمؤرخين قصة ذلك إلى العالم، ولم يحدث أن رأى الغرب مثل ذلك، حتى في زمن الفرس الذين كانوا قبل ذلك أسبق إلى الحضارة من العرب في بعض النواحي، وما كان من أقاصيص التجار والعلماء، حوالي سنة 1000 على الخصوص، حول أبهة الفاطميين في مدينة القاهرة التي أنشئت حديثا وحول بلاط ملوك حلب وبلاط دمشق الشعريين يحيط بإكليل أسطورة العرب وخلفائهم الذين كان يلوح بين الأمم الحديثة أنهم وحدهم جامعون للحكمة والبسالة والعزة والجمال.

وفي ذلك الدور بدأ دور الجامعات في الفن بقرطبة حيث أسس الأمير الهارب أسرة مالكة دام سلطانها ثلاثة قرون، فنالت من السؤدد ما لا يقاس بغير جاه الإسكندر، وقد بهت الغرب النصراني من ثقافة الكفرة وتسامحهم. وكان تعاون المسلمين واليهود قائما في صعيد واحد ، وكان كل منهما من فرار آسية المعارضين للنصارى في الحقيقة، وتبدو إسبانية الجنوبية مركز الثقافة في العالم فيما بين سنة 800 وسنة 1000.

ونظام الري الجديد يجعل من الأندلس أخصب بلاد البحر المتوسط، ويقتبس أحد المؤرخين كلمة أشعياء فيقول: «لقد تحولت السيوف والحراب في عهد الخلفاء بقرطبة إلى معازق

35

ومحاريث»، وهذا هو أروع مديح يمكن أن يقال عن نظام. وكانت تلك المملكة تشتمل على سبع عشرة مدرسة وعلى سبعين مكتبة يلازمها علماء النصارى في العالم بأسره، وبلغ عدد أهل قرطبة مليونا حوالي سنة 1000 فكانت أكثر بلاد الغرب سكانا، وقد احتوت أكثر من ستمائة مسجد وتسعمائة حمام عامة ونصف مليون كتاب في مكتباتها.

وأنجبت الروح اليهودية هنالك - كما في المدن العربية الأخرى بالأندلس - بفلاسفة وشعراء وأطباء اشتهر منهم في عالم القرون الوسطى يهودا هليفي وابن جبيرول والحريزي.

وعلى ما كان من فتور بين إسبانية العربية وخلفاء الشرق، استندت إسبانية العربية هذه إلى الدولة الإسلامية التي كانت تضم شمال أفريقية ونصف آسية بالغة جنوب فرنسة، وكانت هذه الإمبراطورية الحامية للثقافة ممتدة إذن فيما بين الخليج الفارسي والمحيط الأطلنطي، ومن ينظر إلى الخرائط القديمة يجد هذه الإمبراطورية أكبر من دولة بزنطة الجامعة للبلقان وآسية الصغرى وإيطالية الجنوبية وصقلية، ولو رجعت البصر إلى جميع المغازي التي تعاقبت على شواطئ البحر المتوسط ما رأيت ما هو أكثر ثمرا من غزو العرب.

ناپیژندل شوی مخ