ومع ذلك تبصر في حياة هذا الرجل العظيم أويقات أظلمت بالانتقام والوشاية، وعلى العكس ترى أن نائب الإمبراطور قسطنطين (وهو صهره القادم) قد تمرد عليه فغلب وسجن من قبل ابن الإمبراطور فعفا عنه الإمبراطور، ولا نظير لمثل هذا العفو تقريبا، وهو الوحيد في القرون القديمة الكلاسية على كل حال. وقد اضطهد ابن قسطنطين نفسه وسم من قبل حماته، ولما اكتشف بعد حين بهتان تهم الإمبراطورة صب عليها ماء غال في حمامها، وقد مات إخوتها وأبناء إخوتها معها في أثناء عملية تطهير دامية. وقد انتحل قسطنطين مبدأ الأسرة المالكة كما صنع أغسطس من قبل فعرض هذا المبدأ للخطر بتنازع أبناء الإمبراطور ووارثيه.
ولا شيء أدعى للحيرة من نشاط وثبات أولئك الأباطرة الذين كانوا يداومون على القيام بمشاريع جديدة كلما انهارت خططهم، ومن المحتمل أن كان قسطنطين في الخمسين من سنيه عندما أسس مقامه الجديد، وهو لما مات كان متما للعقد الثالث من عهده، وما كان من ترك الأباطرة رومة لأدوار طويلة أو من عدم إقامتهم بها كليا أفاد ميلان وليون ودراج
22
فيما مضى، ولكن الاتجاه نحو الشرق، ولكن نقل مركز الإمبراطورية الرومانية إليه على مقياس واسع، أمر تام الجدة، ولنا أن نسأل هنا: هل كان قسطنطين من الطموح ما يهدف به إلى تقليد الإسكندر أكثر من تقليد أغسطس؟
لقد اجتذبت الإمبراطور إلى تروادة بعض المناحي الروائية، وقد بدأ في الحقيقة بإقامة عاصمته في ذلك المكان الواقع في شمال آسية الغربي، وقد دفعته عوامل أخرى إلى مسقط رأسه نيش ثم إلى صوفية ثم إلى تروادة مجددا، وهو لم ينطلق إلى مكان بزنطة القادم، الذي اكتشف به موقع هذه المدينة وإمكان سده به كل مرور إلى آسية، إلا بعد مكافحته منافسه، قال نابليون: «من يملك القسطنطينية يملك العالم.»
وفي الأسطورة أن الإمبراطور بحث عن أحسن مكان يقيم عليه المدينة فبدأ بوضع أسسها في أسكدار على الساحل الآسيوي، غير أن النسور نزعت خيوط القياس وحملتها إلى ما وراء بحر مرمرة وأسقطتها على الشاطئ الأوروبي.
وتكشف هذه الأسطورة عن أخلاق قسطنطين الحائرة ما اشتملت الأساطير على أساس من الحقيقة دوما، وما أتته الطيور من إشارة حفز الحائر على العزم، والطيور قد بدت للإسكندر عندما شاد مدينته، ولكن الإسكندر اجتذبها ببسطه الدقيق على منضدة، وهو لم يوجه نفسه بها، وذلك إلى أن قسطنطين قد سأل هاتف دلف، كما سأل منجميه، قبل أن يتخذ قراره، وهو قد انتظر دخول الشمس في برج القوس حتى يضع أسس السور المستدير الكبير الذي يحيط بتلك المدينة.
وفي خمس سنين بعد ذلك دشنت تلك المدينة، التي تحمل اسمه، بأعياد لا حد لها نظمت على الطراز الروماني بدقة، وقد نظم أيضا ألعابا واسعة المدى. وكان من المفاجآت السارة أن نقل أعضاء مجلس السنات من رومة وقدم إليهم مغاني
23
رائعة على البسفور، شأن الفندقي الماهر الذي يداري زبنه القدماء مراعيا عاداتهم العتيقة في البيئة الجديدة. وكان على أولئك المحافظين أن يروا وينتقدوا كثيرا كنيسة الرسل الجديدة ومزار الإمبراطور وضروب السخاء نحو الشعب الذي يوزع عليه الزيت والخمر والتماثيل اليونانية الكثيرة المسروقة.
ناپیژندل شوی مخ