(200)(من ثم قد نيل به أعلى الرتب إلا النبوات فليس تكتسب) هذا بيان الرد على الفرقة الأولى من القدرية وهم القائلون أن الله لم يخلق أفعال العباد وإنما ذلك خلق أنفسهم قالوا: إن الله أكرم من أن يخلق خلقا فيعذبنا عليه. وتعلقوا في جواز أن يكونوا خالقين لأفعالهم وفي وقوع ذلك بآيات من القرآن منها قوله عزوجل: { وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير } المائدة : 110 . قلنا اسناد الخلق الى عيسى عليه السلام في الآية مجاز لا حقيقة لأنه من اسناد الفعل الى سببه لا الى موجده، فعيسى عليه السلام سبب لإيجاد تلك الهيئة لا موجد لها على الحقيقة وإنما الموجد لها هو الله تعالى.
ومنها قوله تعالى: { وتخلقون افكا } العنكبوت : 17 ، قلنا: معنى تخلقون تفترون؛ أي وتفترون كذبا. ومنها قوله تعالى: { ويجعلون لله ما يكرهون } النحل : 62 ، قلنا: معنى الجعل هنا الوصف لا الخلق؛ أي ويصفون الله بما يكرهون من وجود البنات لهم والآية رد على المشركين في زعمهم أن الملائكة بنات الله . ومنها قوله تعالى: { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة } المائدة : 103 أي ومن المعلوم أن العرب قد جعلوا البحيرة والسائبة فنفى ربنا أن يكون هذا الجعل من فعله فصح أنه من فعلهم. قلنا: نفى ربنا عزوجل جعل التبحير وما بعده دينا أي لم يشرع للعرب ذلك وإنما ابتدعوه من تلقاء أنفسهم لا لأنهم الخالقون لصفة التبحير(_( ) في الأصلين: "الخالقون لها صفة التبحير". فأصلحته. _) فالمنفي هو شرعية معتقدهم في البحيرة وما بعدها ليس إلا. ومنها قوله تعالى في قصة يعقوب عليه السلام : { بل سولت لكم أنفسكم أمرا } يوسف : 18 ، وقوله تعالى: { فطوعت له نفسه قتل أخيه } المائدة : 30 ، قلنا: أما تسويل النفس وتطويعها فالمراد به ترغيبها في ذلك الفعل وتزيينه لفاعله لا أنها هي التي أوجدت فعل ذلك، فسقط تعلقهم بهذه الآيات والحمد لله.
مخ ۲۷۹