ثانيا: من خروج من الدنيا عاصيا له تعالى لجهنم وأن لفظ: ذرأنا ماضيا فمعناه مستقبل؛ لأنه لما كان مقطوعا حصوله كأنه قد وقع، كما قال تعالى:[ ] {ونادى أصحاب الجنة}، {ونادى أصحاب الأعراف}(1) يقول تعالى إنهم يتنادون لأنه سبحانه خلقهم للنار في هذه الدنيا، وهو سبحانه يقول خلاف ذلك في كتابه، قال:[ ] {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون}(2) لم يخلق جميع خلقه الذين ركب فيهم العقول الكاملة إلا لعبادته، ولذلك ركب فيهم العقول، وأرسل إليهم الرسول، وأنزل عليهم الكتب ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وقال: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يقول زيادة في الكرامة، وقد تأولنا نحن وغيرنا آية: {ولقد ذرأنا لجهنم} بالمجاز الاستعاري وحملناه في الاستعارة هناك على خلقهم الأول في الدنيا، وذلك وهذا الوجه كلاهما عظيمان في العدل والحسن، ويكون الكتب بمعنى الحكم والإثبات، وذلك ......................... وذلك قوله تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله لقوي عزيز} يقول سبحانه: حكمت لنفسي بالغلبة بالحق وأثبت ذلك في الدنيا والآخرة فلله الآخرة والأولى، ولرسلي بالحق وإن اغتلبت الرسل في الدنيا لسبب التخلية غلبوا هم وأتباعهم في الآخرة وإن غلبوا في الدنيا -أعني الرسل وأتباعهم بالقهر بالسيف والسوط لأجل التخلية اللاتي هي عدل وحكمة غلبوا بالحجة وبالبراهين على الحق، ويكون بمعنى العلم بفعل العبد على شريطة أن المكلف يفعل المعلوم باختياره غير ملجأ ولا مقهور، والله يعلم أن المكلف يختار ذلك الفعل ولا يختار التخلف عنه مع القدرة على الطريقين معا قال الله تعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتال إلى مضاجعهم}(1) فالمعنى لبرز الذين علم الله أنهم يختارون [19أ] القتال والشهادة باختيارهم لأسبابه من الخروج من البيوت وعدم اختيار التخلف الذي ندمتم عليه أيها المنافقون، إلى مضاجعهم أي: مصارعهم التي تقتلهم بها الكفار بسبب التخلية الحسنة فلو بقيتم أيها المنافقون لما أطاعوكم أن يتخلفوا عن رسول الله ويرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ولخرجوا معه مختارين الشهادة والجنة على قليل الحياة مع المعصية بالتخلف عنه، فلم يسقهم علم الله تعالى ولو قد سبق فعلهم بل ساقهم اختيار ثواب الله تعالى، فكتبه تعالى هنا علمه بخروجهم مختارين، ولم يكن علمه تعالى الذي أجبرهم على الخروج ولا الذي أجبر الكفار على قتلهم، ولا علمه تعالى الذي قتلهم -تعالى عن قول أهل الزور علوا كبيرا، فما رأيت في كتاب الله من الكتب فتأول، فإن الله تعالى لم يكتب علينا فعل القبيح لأنه تعالى قد نهانا عنه بالعقل وبالسمع.
أما العقل فإن القبيح عبث لأنه لا مصلحة فيه وفيه مخالفة لمن قضى العقل بوجوب الاعتراف به والاعتراف له والامتثال لأمره ونهيه لأنه تعالى المنعم على العبد بخلقه تعالى له حيا متلذذا وخلق ما يشتهي وتمكينه من ذلك بالقدرة والإباحة للحلال منه.
مخ ۸۲