والسمع قد دل الله تعالى فيه بأدلة قاطعة مقررة لما أثبته العقل فمن ذلك قوله تعالى مخبرا:[] {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون}[الأنعام:38] فأخبر تعالى أنهم يحشرون إليه -أي:يبعثون إليه ليجازيهم- دل تعالى بذلك على أنه تعالى يبعث جميع أهل الأرواح، وقال تعالى: [ ] {ما فرطنا في الكتاب من شيء}[الأنعام:38] من ذكر ما يحتاج إليه العالم في الدين والدنيا والبعث والجزاء وغير هذه من الآيات التي أمر فيها تعالى العقلاء من جهة العقل أنهم إذا نظروا بعقولهم فيها وجدوا البعث واجبا في الحكمة والابتداء تفضلا، وأن البعث في المشاهدة لأعمالنا لما كان تأليف الموجود وإحياؤه أيسر من ابتداء المعدوم [4أ] وإنشائه في الشاهد، قال تعالى في ذلك [ ] {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}[الروم:27] أي :إعادته له -سبحانه وتعالى، وكذلك من قوله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} لا يجوز أن يجعل له تعالى من الأسماء ما لا يضعه له تعالى من الأسماء الذاتيه ولا يشتق له تعالى اسم من غير فعل هو له تعالى حقيقة ولا نطلق عليه من الأسماء المجازية إلا ما سمى به نفسه تعالى فمن لم يتوقف على ذلك كذلك فقد جعل لله تعالى كفوا في أسمائه تعالى، وقد قال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} وكذلك يجب أن تكون أفعاله تعالى جارية على مقتضى العدل، والعدل هو وضع كل شئ في محله من غير خلطه بظلم ولا جور، والجور هو تكليف ما لا يطاق، والعقاب على غير فعل الفاعل؛ فلو جاز ذلك لكان لله تعالى كفوا؛ وقد قال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد}.
(تم ما أردنا إيضاحه) في توحيد الله تعالى وعدله وصدق وعده ووعيده، وبعثة الرسل والأنبياء، ونصب الأوصياء والأئمة، وكون أهل البيت عليهم السلام حجة على غيرهم من الأمة إلى آخر التكليف، وتبيين جميع ذلك وإيضاحه في كتاب الله تعالى وسنة رسوله-صلى الله عليه وآله وسلم - تكملة هذا الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين، وصلى الله على سيد الرسل وسيد الأولين والآخرين محمد المصطفى وآله الطاهرين المطهرين.
[ باب في عدل الله تعالى ]
العدل: هو وضع كل شئ في موضعه على سبيل الحكمة هذه حقيقته في حق الله تعالى دليل كونه كذلك في حق الله تعالى: العقل والسمع:
أما العقل: فإن العدل الجاري على وجه الحكمة حسن عقلا وخلافه قبح عقلا، والله -سبحانه وتعالى- قد ثبت من أفعاله ما لا يحصى عددا، وهو تعالى عالم بقبح القبيح غني عن فعله عالم باستغنائه عنه؛ ومن كان بهذه المنزلة من العقلاء فإنه لا يفعل القبيح؛ لأنه لا حكمة فيه ولا مراد والحال هكذا، فإذا كان كذلك فالله سبحانه لا يفعله لأنه تعالى أعلم العلماء وأحكم الحكماء.
مخ ۱۴