يحفظ من مَحْظُور ذَلِك بوازغ لِاسْتِحَالَة الْبَقَاء بعد وضع الشَّرَائِع والسياسات المصطلح عَلَيْهَا إِلَّا بنصبه وَهُوَ السُّلْطَان الْمَانِع بقهر يَده الْغَالِبَة مِمَّا يُؤَدِّي لوُقُوع ذَلِك الْمَحْذُور وواضح من هُنَاكَ أَن الْملك من الْخَواص الطبيعية للْإنْسَان ووجوده لغيره كالنحل وَالْجَرَاد على مَا يظْهر فِي أتباعها لرئيس من شخصها إِنَّمَا هُوَ بِمُقْتَضى الْفطْرَة وَالْهِدَايَة لَا الفكرة والروية كَمَا فِي الْإِنْسَان أعْطى خلقه كل شَيْء ثمَّ هدى
الْفَاتِحَة الثَّانِيَة
إِن مصلحَة نصب السُّلْطَان الْوَازِع لَا تعارضها الْمَفَاسِد اللَّازِمَة عَن قهره وَغَلَبَة لِأَنَّهَا لما رجحت تِلْكَ الْمَفَاسِد كَانَت هِيَ الْمُعْتَبرَة قَالُوا لِأَن ترك الْخَبَر الْكثير لجل الشَّرّ الْيَسِير شَرّ كثير وَمَا خص ضَرَره وَعم نَفعه فنعمة عَامَّة وَعَكسه بلَاء عَظِيم
(لَا ترج شَيْئا خَالِصا نَفعه ... فالغيث لَا ينجو من العيث)
قلت وَلَا يفهم من هَذَا الْكَلَام مُرَاد الْحُكَمَاء بِهِ وَهُوَ أَن الشَّرّ اللَّازِم عَن الْخَيْر الرَّاجِح غير مَقْصُود بِالذَّاتِ لِأَن ذَلِك من حَيْثُ الْقَصْد الخلقي التكويني وَمُرَاد الْأَئِمَّة بِهِ حَيْثُ الْقَصْد التشريعي وَبَينهمَا فرق مُقَرر فِي موَاضعه من الْأُصُول العلمية
الْفَاتِحَة الثَّالِثَة
إِن توهم الِاسْتِغْنَاء عَم السُّلْطَان بَاطِل أما فِي الدّين فلامتناع حمل النَّاس على مَا عرفُوا مِنْهُ طَوْعًا أَو كرها دون نَصبه إِن الله ليزع بالسلطان مَالا يَزع بِالْقُرْآنِ وَأما فِي الدُّنْيَا فلَان حَامِل الطَّبْع وَالدّين لَا يَكْفِي فِي إِقَامَة مصالحها على الْوَجْه الْأَفْضَل غَالِبا
1 / 68