لتحالف قريشا علينا نحن الخزرج، وأظهروا أنهم يريديون العمرة، وعلقوا كرانيف النخل على بيوتهم؛ ليموهوا علينا قصدهم، ويحموا أنفسهم من أذانا
6
وقد فعلوا اليوم مثل ذلك. قال سعد: إن القوم يبيتوننا فأعدوا لهم ما تستطيعون من قوة ومن رباط الخيل، وأجمعوا واحشدوا في خفاء.
والواقع كذلك. فقد كانت الأوس تتجهز لحرب ضروس تريد أن تأتي بها على الخزرج، ولذلك جددوا الحلف مع أنصارهم من قبائل اليهود النازلين في يثرب، وهم: بنو قريظة وبنو النضير على المؤزارة والتناصر، وراسلت حلفاءها من مزينة. ثم جعلوا على رأسهم زعيمهم أبا أسيد حضير الركائب. وجددت الخزرج حلفها مع يهود بني قينقاع، وراسلت حلفاءها من القبائل المجاورة أشجع وجهينة، وجعلت على رأسها عمرو بن النعمان البياضي، وأخذ كل فريق يستعد للقتال في خفاء. على أنهم ما كانوا يأبهون؛ لظهور أمرهم، فقد كانوا قبل هذا وفي كل وقت أعداء صرحاء كل منهم مهدر الدم؛ لما بينهم جميعا من الثارات والعداوات المستحكمة من أيام حروب الفجار.
7
ولقد أحس ورقة في تلك الأيام بالوحشة فكان يخرج إلى أسواق يثرب؛ ليأتنس بالناس، ويتعرف شئونهم، وهناك التقى بصنوف متضاربة العقائد والمذاهب، من اليهود والنصارى والمجوس والصابئة والبوذيين الذين كانوا يأتون بمتاجرهم من الهند إلى يثرب، وبفئات من الروم والفرس والشاميين واليهود جاءوا فارين من ويلات القتال في بيت المقدس.
وسمع منهم أخبار اقتتال الفرس والروم في أدنى الأرض من بلاد العرب، وعلم أن الفرس قد تركوا أنطاكية وقيصرية، واتجهوا إلى بيت المقدس، وأن شاهين قائد جناحهم الجنوبي على وشك أن يدخل بيت المقدس، ويستولي على خشبة الصليب المقدس؛ ليرسله إلى مارية علامة على نصر المذهب اليعقوبي على المذهب الرومي الذي لا يقره البطارقة اليعاقبة، ولذلك فهو كفر.
هناك التقى بأخيه في الإسلام الفتى إياس بن معاذ الأشهلي الذي رافقه في العير القافل إلى يثرب فأنس به وسعد، وصار في رفقته في أكثر أوقاته، ومن ثم جمعه إياس برجل من الأوس عظيم القدر يسمونه الكامل
8
لأنه كان شاعرا وحكيما، وكان عالي الشرف والنسب فيهم قوي القلب جلدا صبورا اسمه سويد بن الصامت. كان هذا الرجل يفخر في قومه بأنه سبقهم إلى نعمة الله؛ إذ أسلم وآمن بمحمد بن عبد الله - عليه أفضل الصلاة وأزكى التحية - اجتمع به في بعض أيام الحج في مكة حين كان يخرج إلى الحجيج في منى وعرفات وعكاظ وغيرها من مجامع الحاج يدعوهم إلى التوحيد فيؤمن به من يؤمن، ويجمد على جهله من يجمد، وأنه
ناپیژندل شوی مخ