وما الزيادة النادرة، أو القليلة في النوع، إلا كعدد الصم البكم منكم، وإن زيادة نحو خمس عشرة امرأة في إنجلترا في كل ألف رجل وامرأة أثقل كاهلها، فأنت وشكت، وبكت، في هذه الأيام، ومن عجب أن قاعدة الذكران والإناث لم تخطئ في بلدة، أو إقليم، أو جيل، ولو أنها أخطأت مثلا عشر سنين لأخذ الإنسان في الانقراض، ولو أخطأت خمسين سنة، لذهبت الأمم، وبادت، ولكنا نرى ذلك مضطردا أبدا، وما سمعنا انقراض الذكور أو النسوان في أمة، بل الميزان العمومي في العالم دائم الوزن، ولا جرم أن ذلك وضع للحياة المشتركة.
ولم يقف عند هذا الحد، بل تعالى إلى الملكات والقوى فجعل استعداد العقول موزعا حسب الحاجة كما في الذكور والإناث، وترى الشعراء المطبوعين في أممهم قليلين، وكذا الفلاسفة والموسيقارون، والبارعون في الجمال وحسن الصوت، وترى عشاق العلوم المغرمين بها ينبتون في الأمة حسب حاجتها، كالمستعدين للصناعة، والزراعة، والتجارة.
وكما أننا نجد طولا وعرضا في الجسم بمقدار محدد للمصلحة، وأعداد الذكران والإناث كذلك في الإنسان والحيوان والنبات، ولم يكن من خطأ فيها إلا عرضا، ونادرا، فهكذا استعداد العقول للفلسفة، والموسيقى، أو السياسة العامة، أو العلوم الصناعية، فالفطرة منبثة في النفوس بذورها حسب الحاجات قلة وكثرة.
وكما أن الأمم الوحشية لم تفقد الذكران أو الإناث حتى تقترض لهم أناسا من أمم أخرى، ليسدوا عوزهم للاقتران، فهكذا يخلق لكل أمة ما يلزم لسد عوزها على حسب حاجتها، فالمستعدون للأعمال العالية الأقلون، وأهل القبول للحرف المختلفة والعلوم والمعارف يكثرون.
أما آن الأوان لاستثمار ما استكن في الأرواح الإنسانية، وما ذراه الله في العقول، من تلك الفطر المودعة في الثلثين الضعيفين من النوع الإنساني.
أفليسوا إذا تركوا وشأنهم، أو تعمد إخماد نار جذوة أفئدتهم ينحطون إلى درجة البهائم، ويخسر الراشدون من النوع الإنساني مواهب ونفوسا لو سقيت ماء العلم، وأحيطت بسور من الرحمة، لشاركتهم في استخراج كنوز الأرض، واستدرار بركة السماء، واستنتاج خيراتهما ومواهبهما المخزونة فيهما.
وكما وزعت الحرف والصناعات والعلوم بقدر الحاجة، فهكذا قسمت أنواع الخيرات على بقاع الأرض، فلكل تربة حظ صالح من المنافع لا ينجع فيها سواه، فهذه معدنية، وتلك زراعية، والأخرى جبلية، وغيرها ذات غابات.
إن الراشدين من الأمم سلطوا غضبهم السبعي على إخوانهم في الإنسانية الضعفاء، ولم ينموا من عقولهم، أو يستثمروا من أرضهم، إلا على مقدار منافعهم وخسروا هم أنفسهم ربحا كثيرا، خسروا مودة إخوانهم، وراحة بالهم، والفطر المودعة المدفونة في نفوسهم، والمنافع الكامنة في الأرض المرهونة على بروز فطر زراعها، حتى تفيض عليهم على مقدار ما ظهر من مواهبهم، وعقولهم وقدرهم.
سخر الإنسان الحيوان أحقابا، وأنزل عليه من سوط عذابه، وجهنم غضبه ما أرهقه ألوانا، ثم اكتشف البخار، والكهرباء، فأنالاه بعض الراحة، وفرح بما أوتي من النعمة، نور عظيم، وثمرة وفيرة، أثمرها ثلث عقل الإنسان، فما يكون حالها إذا ما عقل القسمان الآخران، وجاءت قاعدة التضعيف في الفائدة الناجمة من تربيع الثلاثة الأقسام، فلا جرم تثمر بقاع الأرض تسعة أضعاف ما لدينا اليوم، وإذا استخرج ما في الأرض من منافع وثمرات بهذه العقول كانت النتائج أضعافا مضاعفة بالتربيع.
فلا جرم أن بين نواميس الكائنات الطبيعية، والمسائل الاقتصادية، مناسبة تامة، فتربيع حركات الأحجار الساقطة من أعلى الجبل، قد تتخطى إلى ثمرات الأعمال الإنسانية إذا ازدوجت وائتلفت، وليست ثمرات العقول المتحدة على الأعمال على وزان ما أثمره العقل الواحد، بل إنما يكون بنسبة تربعية، فإذا كان للواحد ثمرة فلثلاثة متحدة تسعة، وعلى وزانه ثمرات الأرض، ولسنا نطلب المحال من الأمم من إغماد السيف، وكسر المدفع، ولكنا نقترح أن يكون لجنود العقول المجندة في ساحة القتال الاقتصادي، الغاديات الرائحات في تدبير الأمم والممالك لجنة دائمة، تضيء حالكات المشكلات، وتفسر لهم الحوادث، وتلتقط من تلك الساحات مرضى الآراء، فتنقلها إلى مستشفياتها العلمية والفلسفية، كما تفعل جمعية الصليب الأحمر في ساحات الحروب الجسمية، والميادين الحربية، وهذه أهم مباحث تلك اللجنة: (1)
ناپیژندل شوی مخ