إن النجوم والأقمار والشموس حروف كبيرة، تقرؤها أرواحنا الصغيرة لترتقي يوما ما إليها، وترفع بالفضيلة والعلم فوقها.
ليست الأرض مستقرا لنا، فلننظمها لمن بعدنا، ليكون ذلك لنا مرانة، ولمن بعدنا سعادة، فنرفع إلى عليين، ويقفي أبناؤنا على آثارنا مهرولين.»
فعجبت لمقاله، وقلت لمن معي: من هذا الذي نراه؟ فقال: ذلك الرجل من أهل أرضكم، عقل الحكمة، وفكر في العالم، وقاس نظام الإنسان على نظام العالم، وحقر الدنيا في عينه، فأما عينه الكبيرة وما عليها من هيئة وزينة البلاد والأقاليم والبحار فذلك دلالة على إحاطته بالنوع الإنساني خبرا، ونظره للناس كأنهم أمة واحدة، في بقعة واحدة، يتكلمون بلغة واحدة، وتلم شعثهم حكومة واحدة. فقلت: وهل هؤلاء يكثرون في الأرض؟ فقال: كلا بل يقلون، ألم تر إلى وحدة الشمس والقمر؟ وقد آن أوان أن يتعاقب أمثال هذا في أرضكم، حتى يهذبوا أممكم الجاهلة، ويضعوا لها حكومات عاقلة، صالحة.
فعجبت من مقاله، وقررت عينا لتبيانه، وقلت: لمثل هذا فيلعمل العاملون. •••
ثم انطلقنا، إذا قبة كبيرة، صيغت من الدر الكوكبي، تدور على نفسها، مجعولة نصفين، منقسمين متميزين، أعلى وأسفل، وهما يفترقان تارة ويجتمعان أخرى، ويبتعدان، ويقتربان، ويرتفعان وينخفضان، فلمحت باطنها إذا هو نور باهر، وضوء ساطع، وسمعت رنات الموسيقى، ونغمات الموسيقار، وكأنما النور المشرق فيها، قد مزج بالغناء، أو كان حركات الذرات الضوئية، تولد النغمات الصوتية، والرنات المثنوية والمثلثية مرتبة الداخل، مزينة بأجمال الأثاث وأفخر الرياش، فيها ما لم تره العيون، من طرائف الفرش وبدائع الجمال.
ولمحت فيها قوما أعينهم في غطاء عن النظر للأنوار، وآذانهم في صمم عن استماع النغمات، وبينهم شاب جميل الطلعة، حسن الشكل، جميل المحيا، باسم الثغر، مبتهج القلب، ظاهرة على وجهه نضرة النعيم، وقد ألفيته ينظر إلى من حوله، وهم في كآبتهم وشقاوتهم جاثمون، فيزيل الغطاء عن العيون، وما كان أسرع انسدالها، ويأمرهم بالإصغاء إلى النغمات، وما كان أقرب أن تصم الآذان، وهم في الحزن خاشعون، فسألت صديقي: ما هذا المنظر العجيب؟ فقال: هذه القبة مثال هذا العالم الذي خلقتم فيه، فإنه عند أولي الألباب، مصوغ من الجمال والحكمة والبهاء، وما يعقلها إلا العالمون، فصور للجاهل، وعبر عنه للغافل بالنور والموسيقى وأنتم في الأرض غافلون عن جماله، معرضون عن نظامه، فإن الجمال يحيط بكم، فمن فوقكم نور ونظام، ومن جوانبكم ترتيب وبهاء وجمال، وأما هؤلاء الذين أعينهم في غطاء، فهم أبناء جنسكم الآدميون، فإن هذا نبأ عظيم وبهاء أنتم عنه معرضون، وأما هذا الشاب، فإنه مثال الحكماء الذين أدركوا مزايا الجمال، وفهموا بعقولهم ما حولهم من الحسن والبهاء، فهم في الحياة فرحون، وبربهم واثقون، ولإخوانهم راحمون ومعلمون. فقلت: فصل ما أجملت، وأوضح ما ذكرت. فقال: اسمع الحكمة مني وخذ العلم عني. (1) الزهرة والنحلة
شاهدنا نحلة وقعت على زهرة. فقلت: ماذا تعني؟ فقال: أليس من العجب أن جملت الزهر، المسماة «بالقزالية»، وصغرت النحلة، وألهمت العلم، فاشتارت العسل من تحت الأنابيب! ثم أنشأ يقول:
عجبت لنقش الزهر كيف تنوعت
بدائعه فيما يسمى قزاليه
محكمة الزوجين فيها غرائب
ناپیژندل شوی مخ