أولا يعلمون أن أبناءهم سيرثون الغل والحقد على أبنائهم الظالمين، ويكونون عونا على من آذى آباءهم، ألا إنهم هم الحصن المنيع بين الشرق والغرب، فليس يسكنه إلا من شاد بناءه، وعلم أبناءه، وباعد ظلمه، وحبب إليه القلوب، فسيتلاقى الغربي مع الشرقي. والقول الفصل سيكون للأمم الآسيوية في الشرق الأدنى، فإنها ستكون مع المحسنين وستسيء للمسيئين، وأغلب السواس لا يعلم إلا ظاهرا من العلم وهم عن الحقائق معرضون.
المذكرة السابعة: الأخلاق في الأمم
لا يجدي نظام كليات العالم ولا مدارسه ما دام السواس يقولون ما لا يفعلون، ويطلعون على ذلك شبانهم، ويقال لهم على سبيل الفخر والإعجاب: هذه سياسة، فتنقلب الحسنات سيئات، ويحور الأخيار أشرارا، والفضلاء منافقين مخادعين، فإذا أجرم الغاصب والمزور قالا في أنفسهما: إنما نحن سواس كأشرافنا، فإذا سرقنا متاعا فقد سرق أشرافنا، وإذا كذبنا فقد كذب أشرافنا، ونافق وخادع ساداتنا.
فالمدارس والكليات تبني والسواس والقواد يهدمون البنيان، فيرفعون الرذيلة، ويشيدونها على أنقاض الفضيلة في أرض العصيان.
المذكرة الثامنة: لا يبقى إلا الأصلح للوجود
هذه القاعدة صادقة، وقد غلط أكثر علماء الأمم في تطبيقها على الحياة العامة، وخلطوا نظام العالم البشري بنظام الرقي.
إن هناك دائرتين؛ دائرة نظام الغذاء، ودائرة الارتقاء ، فأما الأولى فإنك ترى الدود طعمة العصفور، والعصفور غذاء الباشق، والباشق طعام العقاب، والعقاب طعام الدود، وسائر هذه العوالم فريسة أصغر الحيوان، وهو الميكروب. فهذا نظام حق، له ناموس خاص، فأما الدائرة الثانية، فإن في هذه العوالم قوة شهوية، عاشت بها الأرانب والغزلان والطيور وسائر الحيوان والنبات، وفوقها قوة غضبية ظهرت بأجلى المظاهر في الآساد، وقوة عاقلة كان أتم ظهورها في الإنسان، وكل واحدة أرقى مما قبلها وأقل مما بعدها، فنحو الآساد تنال غذاءها من الغزلان، والإنسان ملك الأسد والغزال بقوته العقلية، وحيلته الفكرية، ونفسه العلية.
فالعقل أرقى، وهو أصلح للوجود، وهو لا يزال ناقصا، فإذا أكمل التعليم والتهذيب زالت عنه المفاسد والغل والحقد والحسد، وأصبحوا سعداء أجمعين، فإذا بقي الإنسان على حياته السبعية، وقلد الآساد في افتراسها، والثعالب في مكرها، وعلم القوي الضعيف علوم الجبن، ودروس الذلة فأمات غرائزهم، وأضعف قواهم، وهو في الوقت نفسه يعلم أبناء أمته الاتكال على ما كسبته الأمم الأخرى، بحيث يجعلون كل ما أوتوا من ذكاء، وما أعطوا من علم موجها إلى الأمم الضعيفة، ليحصدوا ما زرعوا، ويأكلوا ما جمعوا، ويفسدوا ما أصلحوا، ويجنوا ما غرسوا، إنهم بذلك تتأصل فيهم ملكة الظلم، وتستولي على عقولهم آفات الكسل، ويكون لهم ظاهر وباطن، فظاهرهم الصدق والإخلاص والفضيلة، وباطنهم النفاق والخداع وعدم المروءة.
لعمري إن الإنسان إذا دام على ذلك أصبح لا يصلح لعمارة هذه الكرة الأرضية، وذاق بعضه بأس بعض، وخلفه قوم آخرون؛ لأنه لا يليق لهذا النظام الدقيق العجيب في السماوات والأرض.
أوليس من العار أن العالم الذي حولنا من الأرض والسماوات معظمه عالم صادق ونحن ظالمون جاهلون كاذبون!
ناپیژندل شوی مخ