زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

نوال سعداوي d. 1442 AH
89

زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

ژانرونه

خالي يحيى يقف في الفرندة يعاكس البنات، خالي ممدوح ينضم إليه، لكن خالي زكريا كان مهذبا، طنط فهيمة أخذت دور أبيه، تحذره من أخيه يحيى وابن عمه ممدوح، تقول له: «دول صايعين وضايعين مش لازم تكون زيهم.»

الشجار يدب بين طنط فهيمة وطنط نعمات، نعمات هي الكبرى، أخذت دور الأم لأخويها، تدلل خالي يحيى باسم «توحة»، تدلل خالي زكريا باسم «زيكة»، رجل له شارب كثيف اسمه توحة أو زيكة؟!

بقايا التقاليد في تلك العائلات، اسم توحة يوحي بطفلة ذات خدين ناعمين، ليست هي خالي يحيى، قصير نحيف، أحدب الظهر، رأسه كبير، جبهته مقوسة، شعره مجعد، يدهنه بالبريانتين، يفرقه على جنب، طربوشه أحمر فاقع مائل على جنب، عيناه من وراء النظارة مائيتان غارقتان في الدموع، لا يبكي، يضحك على نكت لا تضحك أحدا، «النني» الأسود مطفأ خال من التعبير، تشوبه زرقة بلون طلاء النوافذ أيام الحرب، الحاجبان كثيفان مقوسان إلى أعلى، مندهش دون أن يندهش، أنفه ناعم، طرفه المدبب مرفوع مثل أنف طنط فهيمة، تجري فيه دماء أرستقراطية، فتحتا الأنف واسعتان تشوبهما رعشة، يملؤهما شعر غير بشري، شفتاه رفيعتان يبللهما بطرف لسانه، يبتلع لعابه بصوت مسموع، يمص لسانه، يلعق شفتيه، يضحك فيظهر فكاه الأعلى والأسفل، اللثة حمراء، الأسنان مشرشرة صفراء بلون الدخان، يرتدي بدلة ضيقة وصديري ضاغط على صدره، يشعل السيجارة وراء السيجارة، يمسكها بين إصبعين صفراوين، يدق بها فوق مسند الكرسي، دقات قوية، أصابعه رفيعة تشوبها رعشة، لم يكمل تعليمه، اشتغل موظفا في السكة الحديد، يصلح الساعات المعلقة في المحطات.

يبدو رجلا طفلا، مثقفا جاهلا، عاليا واطيا، تفوح منه رائحة الدخان، مع عطر فواح من عطور النساء.

أبي يعتبر خالي يحيى نموذج الشباب المخنث، نتاج طبقة عالية هابطة إلى أسفل، مصيرها نحو الزوال. •••

عدت من المدرسة فرأيت طنط فهيمة تلطم خديها بيديها: يا دي المصيبة السودة؟

الخادمة شلبية متكورة وراء باب المطبخ تبكي، هل مات أحد؟

دخلت إلى غرفة طنط نعمات، هل سأراها جثة ممددة في السرير، رأيتها واقفة أمام المرآة داخل فستانها الحريري الأسود، ساقاها السمينتان البيضاوان داخل جورب شفاف أسود، شعرها ملفوف بدبوس كبير فيه فصوص لامعة، قدماها داخل حذاء أسود لامع له كعب عال رفيع، تفتح «الشفونيرة»، ترتدي الإسورة (الشبكة التي شبكها بها محمد أفندي الشامي)، ساعة اليد الصغيرة ذات الفصوص اللامعة، جلست أمام التسريحة أو «التواليت»، وضعت البودرة على وجهها، كحلت عينها بالكحل الأسود الطويل في المكحلة، تضعها بين جفونها، صبغت شفتيها الرفيعتين بإصبع الروج، قلبت الشفة العليا فوق السفلى، مطت بوزها إلى الأمام.

رأتني في المرآة عند مدخل الغرفة، بطنها مرتفع قليلا تحت الفستان الحريري الضيق، أيكون في بطنها حمل سفاح؟! - بتبصيلي كدة ليه يا جارية ورور؟ - إيه المصيبة السودة يا طنط نعمات؟ - البنت مقصوفة الرقبة اللي اسمها شلبية، ماشية مع الولد المكوجي، أنا رايحة دلوقتي حالا أشده من رقبته أجيبه هنا هو والمأذون عشان يكتب كتابها.

شلبية الخادمة الصغيرة تبدو أصغر مني، تحمل في بطنها جنينا؟! طنط نعمات تقول عنها «مأرودة». لا يقل عمرها عن «خمستاشر سنة»، نحيفة كالبوصة، بلا أثداء ولا أرداف، جلدة على عضمة، تنام على كنبة بلدي في غرفة الدادة، تغلق عليها طنط فهيمة بالمفتاح في الليل، كيف حملت شلبية؟!

ناپیژندل شوی مخ