زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
ژانرونه
لم يقنعني هذا الكلام، كنت أرى أن تقييم الماضي ضرورة لعدم تكرار الأخطاء، وأن التحقيق فيما حدث يتمشى مع القانون، ثم لماذا ينتظر الناس دائما ما يفعله رئيس الدولة، لماذا لا يعملون بدلا من مجرد الانتظار؟ ولماذا يصبح رئيس الدولة هو الفرد الوحيد الذي يعمل والذي يتخذ القرار ونحن علينا أن نجلس في بيوتنا وننتظر؟
بدأ فؤاد سراج الدين يتكلم بعد أن انتهى رئيس الدولة من كلمته، قال فؤاد سراج الدين: يا سيادة الرئيس، لقد أنابني زملائي لأتكلم عنهم. دهشت لهذه العبارة الأولى؛ لأن أحدا لم يأخذ رأيي في موضوع الإنابة هذه، كان عددنا ثلاثة وعشرين شخصا، منهم واحد وعشرون رجلا، وامرأتان فقط، أنا واحدة منهما، سألت زميلتي: هل تعرفين شيئا عن هذه الإنابة؟ هزت رأسها بالنفي، سألت الزميل الجالس إلى جواري، فقال: لا أعرف شيئا يا دكتورة نوال، لكني سمعت أن محمد حسنين هيكل اقترح على اثنين من أصدقائه المقربين إنابة فؤاد سراج الدين للتحدث نيابة عن الجميع، وأبلغوا رئيس الوزراء الدكتور فؤاد محيي الدين بهذا القرار لإبلاغه للسيد الرئيس، وبالطبع لم يأخذ رأينا أحد. قلت: كيف ينوب عنا أحد دون أن نعلم؟ هذا تصرف غير ديموقراطي ... كيف نقبله نحن الذين دخلنا السجن؛ لأننا اعترضنا على التصرفات غير الديموقراطية؟ ابتسم الزميل في أسى وقال: يا دكتورة نوال الأفضل أن نسكت وإلا أعادونا إلى السجن!
لم يعبر فؤاد سراج الدين عما كان يجيش في صدري، رفعت يدي وطلبت الكلمة بعد أن انتهى من كلمته، رمقتني بعض العيون بشيء من الضيق، ثلاثة أو أربعة من كبار الأسماء الذين كانوا داخل السجن بالأمس ثم أصبحوا اليوم شيئا آخر، يتطلعون إلى رئيس الدولة ورئيس الوزراء ويرمقون المساجين الآخرين شزرا.
أعطاني رئيس الدولة حق الكلام، تكلمت، قلت كل ما عندي في أقل من خمس دقائق، تشجع بعض المسجونين الآخرين وطلبوا الكلمة، ربما تلعثم أحدهم خوفا أو رعبا، إلا أنه فتح فمه وعبر عن رأيه، زميلتي المسجونة تكلمت وطلبت حماية النساء الحوامل في السجن، وتكلم شاب عن رعاية صغار السن وعدم تعريضهم للضرب أو التعذيب ... وفجأة رأيت محمد حسنين هيكل ينظر في ساعته فوق معصمه، وقال هذه العبارة: أظن أن وقت السيد الرئيس ثمين ولا يسمح بمزيد من الكلمات وأقترح قفل باب الحديث.
في لقاء لي مع محمد حسنين هيكل بعد بضعة شهور سألته: لماذا قلت هذا الكلام، وهل وقت الرئيس أثمن من وقت ثلاثة وعشرين شخصا دخلوا السجون دون جريمة؟ وإذا كان هو لم يقفل باب الحديث لماذا تقفله أنت وكنت مسجونا معنا؟ ثم لماذا لم تأخذوا رأينا في موضوع إنابة فؤاد سراج الدين ليتكلم عنا؟ ألم تفعلوا بنا ما يفعله أي حاكم دكتاتور رغم أنكم تكتبون عن الديموقراطية؟!
كان شريف معي في هذا اللقاء وسمعني أقول هذا الكلام، نظر إليه محمد حسنين هيكل وقال: الدكتورة نوال صعبة أوي مش كده ولا إيه يا دكتور شريف؟ ابتسم بهدوء وقال: نوال تعبر عن رأيها وهذا حقها.
بعد اللقاء مع رئيس الدولة يوم 25 نوفمبر 1981 خرجت من قصر العروبة، قالوا لنا داخل القصر: إن قرار الإفراج صدر ويمكننا العودة إلى بيوتنا. اجتزت حديقة القصر الكبيرة أشم رائحة الزهور، رمقني أحد الصحافيين فأقبل نحوي، نظر إلى حذائي الكاوتش مندهشا، وقال: أتقابلين رئيس الدولة بهذا الحذاء الكاوتش؟! قلت: ولماذا تنظر إلى حذائي يا أستاذ؟!
وقفت عند محطة الأتوبيس أنتظر سيارة أجرة تحملني إلى بيتي في الجيزة . فوق الأرض وضعت حقيبتي بها ملابس السجن، أرمق الناس وهي تمشي في الشارع، كيف يمشون هكذا دون أن تقبض عليهم الشرطة، كأنما لم أمش في الشارع أبدا بهذه الحرية؟ كأنما رجال البوليس سوف يأتون بعد لحظة لإعادتي إلى السجن. لم تكن كلمتي أمام رئيس الدولة هي الكلمة المطلوبة، انتزعتها من بين براثن السلطة وزملاء السجن. لم يطلبها أحد، لم يرغب في سماعها أحد. تقلصت وجوه الرجال حين تكلمت، بما فيها وجه رئيس الدولة، كيف تتكلم امرأة بهذا الشكل في أمور لا يتكلم فيها أحد. كلمة فؤاد سراج الدين لم تخرج عن تقديم الشكر والامتنان لرئيس الدولة؛ لأنه أطلق سراحنا. كلمة زميلتي لم تخرج عن طلب حماية المرأة الحامل في السجن باسم الشفقة، كلمة الشفقة تطرب لها آذان الرجال، الشفقة بالمرأة الحامل الضعيفة، ضعف النساء يؤكد قوة الرجل، الرجولة هي القوة والقوامة، الرجال قوامون على النساء. زميلة السجن كانت ترتدي الحجاب، تؤكد به هوية الأنثى التي يطلبها الرجال. لم تتقلص الوجوه حين تكلمت الزميلة المحجبة، خرجت من السجن وأصبحت صورتها في كل مكان، تكتب في صحف الحكومة والمعارضة، تتحدث باسم الإسلام والتراث والحجاب، أصبح لها مقال أسبوعي في إحدى الصحف الحكومية الكبرى، صورتها بالحجاب على رأس المقال، على وجهها ابتسامة أنثوية ناعمة، شفتاها متوردتان.
أمام باب الشقة في الجيزة وضعت حقيبتي على الأرض، رأيت اسمي فوق رقعة نحاسية صغيرة، ضغطت على الجرس، فتح شريف الباب، مش معقول! أي مفاجأة! كان يظن أنني في السجن، لم ينشر الخبر بعد في الصحف. ألقيت ملابس السجن في صفيحة القمامة، وأخذت حماما ساخنا، تمددت فوق السرير النظيف الدافئ، الملاءة بيضاء ناعمة تفوح برائحة صابون معطر، أدفن رأسي في الوسادة الناعمة، أغمض عيني كأني في حلم سأصحو منه بعد لحظة، وأجد نفسي في زنزانة السجن.
جاءني ابنتي منى وابني عاطف من المدرسة آخر النهار، أخفاني شريف في الغرفة ليصنع لهما المفاجأة، أراهما من ثقب الباب جالسين في الصالة، سحابة من الحزن تطفو فوق الوجهين الحميمين، عيون أطفال خطف بريقها غياب الأم، خيالهما قادر على اختراق جدران السجن، يكسر القضبان الحديد، يرى الأم جالسة فوق الأرض، تكتب بأصابعها فوق التراب رسالة إلى أطفالها.
ناپیژندل شوی مخ