195

زما ورقې ... زما ژوند (لومړی برخه)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

ژانرونه

ضحك الدكتور نور الدين طراف، أدركت من الطريقة التي يضحك بها أنه يائس مثلي في جدوى وزارة الصحة أو أي وزارة أخرى في الحكومة، منذ جاءت الثورة وهي ترفع شعار «هز الجهاز الحكومي.» - الحكومة دي ما فيهاش فايدة يا دكتورة نوال، جمال عبد الناصر راجل وطني مخلص لكن حواليه طبقة عازلة عزلته تماما عن الناس.

إذا يئس من حكومته الوزير فمن يكون عنده أمل؟ أليس الوزير جزءا من النظام؟ - إذا عجز الوزير عن اختراق الطبقة العازلة فمن يستطيع؟! - المشكلة أن الطبقة العازلة من أهل الثقة، لكن وزير الصحة ليس إلا من أهل الخبرة.

كأنما أطل على القاهرة من قمة هرم خوفو، عقلي يتفتح لمعرفة جديدة، تسري لذة المعرفة في جسدي، أشعر بالسعادة، عرفت شيئا جديدا اسمه الطبقة العازلة، وشيء آخر اسمه أهل الثقة، وشيء ثالث اسمه أهل الخبرة، بدأت أفكر كيف يشتغل جهاز الدولة.

مع اللذة يسري شعور آخر يشبه الإثم، هل عرفت شيئا لا يصح أن أعرفه؟ سرا من أسرار الحكم؟ الثمرة المحرمة فوق شجرة المعرفة؟

أصبح الدكتور نور الدين طراف صديقي منذ أول لقاء، يحدثني كأنني أحد الزملاء، يفتح قلبه، يحكي لي عن فساد الحكم الملكي، كان يحلم بتغيير النظام، دخل الحزب الوطني، لم يكن الطب هدفه وإنما السياسة والحكم، كان من المقربين لجمال عبد الناصر، لكن الطبقة العازلة أبعدته إلى وازرة الصحة، ثم خلعته عن الوزارة بعد قليل، رفسته إلى أعلى كما يقولون، أصبح مستشارا لرئيس الجمهورية، ومسئولا عن النقابات المهنية في الاتحاد الاشتراكي، مناصب ضخمة بلا مسئولية، يجلس بلا عمل إلى مكتب فخم داخل القصر المطل على النيل، اسمه الاتحاد الاشتراكي، الحزب الوحيد الذي انضم إليه جميع الموظفين في الحكومة بالأمر.

التقيت بالدكتور نور الدين طراف ثلاث مرات، المرة الأخيرة قبل أن يموت بفترة قصيرة، كان يسكن في شقة تطل على النيل في حي العجوزة، في البلكونة الزجاجية المستديرة بالدور الأول جلسنا، كان حزينا شاحبا بعد هزيمة 1967م. - الثورة دي خيبت آمالنا فيها يا دكتورة نوال، كان ممكن عبد الناصر ينتصر في الحرب ويحرر البلد، لكن المشكلة الناس اللي حواليه، كان لازم الجيش ينهزم إذا كانت القيادة في إيد عبد الحكيم عامر، وكان لازم الاتحاد الاشتراكي يفشل ومجلس الشعب يفسد إذا كانت القيادة في إيد أنور السادات! •••

كان الدكتور نور الدين طراف هو الذي أصدر القرار بنقلي من الأمراض الصدرية إلى الثقافة الصحية بوزارة الصحة، أدركت من عملي في الريف والمدينة أن الوقاية خير من العلاج، «وأن درهم وقاية خير من قنطار علاج» مثل شعبي يجري على ألسنة الناس، لا يمكن إبادة البلهارسيا دون أن يكف الفلاحون عن التبول في مياه الترع، وهذا يقتضي حملات من الثقافة ورفع الوعي، لا يمكن إبادة الدرن الرئوي دون أن يتعلم الناس كيف ترتفع مناعة الجسم، كيف يمكن القضاء على الثالوث المزمن: الفقر، الجهل، المرض.

كلمة الثقافة الصحية قريبة إلى قلبي، ترتبط كلمة الثقافة في خيالي بالأدب والكتاب، أصبح لي مكتب في وزارة الصحة، كان الدكتور نور الدين طراف قد خرج من الوزارة، جاء الدكتور النبوي المهندس وزيرا للصحة، كان أستاذا في طب الأطفال، يؤمن بالعلاج أكثر من الوقاية.

كلمة الثقافة تحولت إلى كلمة الإعلام، يتنافس الوزراء على نشر صورهم مع تصريحاتهم عن الاشتراكية، دخل جهاز إعلامي جديد إلى مصر اسمه التليفزيون، يتسابق إلى الظهور فيه المسئولون في الحكومة، لم يعد العمل في الميدان هو مقياس النشاط، بل الظهور فوق الشاشة الصغيرة، عدد مرات النشر في الصحف، حجم الصورة المنشورة والمساحة وكمية الكلام.

اصطدمت بوزير الصحة الجديد، تخصص في أمراض الأطفال، لا يعرف شيئا عن الطب الوقائي، يريد تحويل قسم الثقافة الصحية إلى قسم الدعاية للوزير. - أنا آسفة يا دكتور مش شغلتي. - إنتي موظفة في الوزارة وأنا الوزير، عليكي تنفيذ التعليمات. - أنا آسفة يا دكتور! أنا دكتورة مش موظفة!

ناپیژندل شوی مخ