161

سورية الجميلة الحبيبة، الكادحة المجاهدة الصابرة، فجأها السيل كقطع الليل، ودهمها القضاء من السماء، فاستحالت جبالها أنهارا، وسهولها بحارا. طغى السيل بالناس والدواب، وجرف القرى والضياع، وذهب بالزروع والثمار.

فهذه جثث الغرقى منثورة في السهول، وأنقاض الدور تسيل بها الأودية، وتحت الماء والطين عتاد البائسين وذخيرة المساكين، وما أبقت الأزمات من ثياب وأقوات. فانظر إلى الشمل المبدد، والأمل المخيب، والهلع والفزع، والفاقة والجزع! انظر العيون الباكية، والدموع الجارية، والنظرات الجازعة، والخدود الضارعة، والعقول الذاهلة، والقلوب الحائرة، واستمع زفرات الأحياء على الأموات، وبكاء الأولاد أو نحيب الآباء والأمهات. استمع فكم أنة كليم، وآهة يتيم!

إن الشاعر المحزون الواله ليخيل إليه أن مجرى السيل خليق أن يكون مجرى الدمع، ويذكر قولي أبي العلاء:

ليت دموعي بمنى سيلت

ليشرب الحجاج من زمزمين

لك الله يا سورية! تركتك منذ قليل تعانين ما تعانين، وارتقبت أن تتطاير الأخبار بما نؤمل من انتعاشك، وما نرجو من نهوضك، فما راعنا إلا نبأ السيول الجارفة المدمرة، ولكن في صبرك وجهادك عزاء، وكل غمرة إلى انجلاء، وإن وراء هذا الظلام فجرا، وإن مع العسر يسرا. •••

هذه سورية في نكبتها، فمن ندعو لنجدتها؟ إن ندع العرب فأهل النجدة وأولو الحمية، وحفظة الجوار، ورعاة الذمار، في قلوبهم الراحمة لهؤلاء المنكوبين رجاء، وفي قرابتهم العاطفة عزاء، وفي أيديهم السخية ما يخفف البلاء، وهم للبائس خير وزر، وللاجئ أمنع عصر.

وإن ندع المسلمين والنصارى، فالدين يأمرهم بالتراحم، ويحفزهم إلى المؤاساة، وإن لإخوانهم فيهم لنصراء رحماء، يجيبون دعوة المضطر، ويمسحون دمعة المحزون، ويفرجون كربة المكروب. إن عليهم أن يمسحوا على هذه القلوب الدامية، ويرفقوا بهذه الأكباد الواهية.

بل أدعو البشر أجمعين، والإنسانية كلها، دعوة عامة شاملة، وأستنجد القلوب الرحيمة، لا أستثني أحدا، أن تمد الأيدي الآسية إلى هذه الألوف التي يعوزها القوت واللباس والمأوى.

يا معشر الكتاب والشعراء، كيف تقسو في هذه المحنة القلوب، وتجمد في هذه الكارثة الدموع، ويصمت في هذه الفاجعة البيان، ويخذل القلم واللسان؟

ناپیژندل شوی مخ