يا أخي: قد أساء العجز والذل تأويل هذه الأمور، وأنت تعرف أن المثل الأعلى للرجل المسلم أن يكون طماحا إلى أبعد غاية، واثقا بنفسه إلى غير نهاية، حرا لا يقر بعبودية، أبيا لا يقيم على دنية، يرى نفسه قائما في هذا العالم بالقسط، قد وكل الله إليه تصريف الأمور، وتقسيم الأرزاق، والهيمنة على الأخلاق. وأين هذا مما فهمه الناس من التواضع والتوكل؟!
وأما الربا فلا يتسع المقام للكلام فيه، وحسبك هذه الثورات الثائرة حوله، والمعارك الهائجة فيه بين البلشفية والرأسمالية.
وأما قياس الأخلاق بالنفع والضر، فقد ذهب إليه بعض علماء الأخلاق، ولكن مذهبا ينتهي إلى منفعة الجماعة وضررها، لا منفعة الفرد وضرره. ولن تقوم لأمة قائمة إن جعلت مقياس أخلاقها نزوات كل إنسان، ونزعات كل فرد.
وبعد، فيا صديقي، أراني حدت عن الموضوع الأول استطرادا معك، فأرجع إلى محمود أحمده على ثورته مخطئا، وأذمه على هدوئه مصيبا، فقد تمثل لي في الأولى حرا ثائرا يريد أن يقلب نظام الأخلاق في الأمة، وتمثل لي في الثانية تكلة نكسا مبطانا، لم يدع على المائدة فتاتا، ولم تدع فيه المائدة بقية لهمة أو عزيمة أو ثورة. فرحمه الله جوعان ثائرا، وأخزاه الله شبعان خائرا!»
سورية1
سورية الجميلة ذات الخمائل الوارفة، والجنات الناضرة، والمياه الثارة! سورية أنس الفؤاد، وقرة العين.
سورية الكادحة التي يجهد أهلها في السهل والجبل، يخرجون بالماء القليل شتى الثمرات، وينبتون به يانع الجنات، سورية بردى والعاصي.
سورية الصابرة التي وفرت الأيام نصيبها من النكبات والأزمات، المجاهدة التي تجادل عن نفسها، وتجاهد عن شرفها، دفاع البطل الأصيد الأعزل، يمضي بجنانه ويده، يشق الأهوال إلى غايته، ويحطم الخطوب إلى طلبته، مجاهدا مثابرا، مرزأ صابرا.
سورية التي لم تجف فيها دماء الشهداء، ولم تنقطع سلسلة النوائب.
سورية التي تفيض بالذكر المجيدة، والسير الخالدة، وتمت بالرحم الواشجة، والقربى الواصلة، والجوار والذمام.
ناپیژندل شوی مخ