على أن الدكتور يعقوب صروف وإن أباح لنفسه أو أباحت له مي في بعض الأحيان أن يشطر من محاضراتها أو يؤجل نشر بعضها، فقد كان ذلك عن أسباب طباعية وظروف عملية لا عن نقص في تقديره لها، أو عن افتئات عليها؛ فقد كان يقدرها كأسمى ما ينبغي أن تقدر به عبقرية مثلها، وقد أشاد بمكانتها في عالم الكتابة والتفكير غير مرة، ولعل مسك الختام أن نشير في هذا المقام إلى المقدمة التي كتبها عنها في كتابها «باحثة البادية»، ووصفها بأنها: «جارت أكتب الكتاب الأوروبيين في هذا النوع من البحث والنقد، ولا أتذكر أنني رأيت حتى الساعة من ضارعها فيه من كتاب العربية ولا من فاقها من الأوروبيين!»
وقد وضعها في صف كارليل، وفيكتور هوجو، ولامرتين، من كتاب الغرب المجددين في الأخيلة البديعة والأسلوب الرائع وطريقة التفكير.
القسم الثاني
أدباء أحبوا مي
(1) دموع الحب «أحببت في حياتي مرتين: أحببت «سارة»، وهذا ليس اسمها الحقيقي، وإنما هو اسمها المستعار أطلقته عليها في قصتي المعروفة بهذا الاسم، وأحببت «ماري زيادة» الأديبة المعروفة باسم «مي».
كانت الأولى مثالا للأنوثة الدافقة الناعمة الرقيقة، لا يشغل رأسها إلا الاهتمام بجمالها وأنوثتها، ولكنها كانت - إلى ذلك - مثقفة.
وكانت الثانية - وهي مي - مثقفة قوية الحجة، تناقش وتهتم بتحرير المرأة وإعطائها حقوقها السياسية، وكانت جليسة علم وفن وأدب، وزميلة في حياة الفكر؛ أي أن اهتمامها كان موزعا بين الأدب والأنوثة.
كلتاهما جميلة، ولكن الجمال في «مي» كالحصن الذي يحيط به الخندق، أما الجمال في «سارة» فكالبستان الذي يحيط به جدول من الماء النمير، هو جزء من البستان، لا حاجز دون البستان، وهو للعبور أكثر مما يكون للصد والنفور!»
ذلك ما سمعته من العقاد في حديث معه، وقد نشر قصته عن «سارة» منذ سنوات، أما قصته عن «مي» فكيف كانت، وكيف بدأت، وكيف تطورت من زمالة فكرية إلى صداقة أدبية، ثم إلى حب، فغرام وهيام ودموع؟
لقد عرف العقاد الآنسة «مي» قبل أن يعرف سارة بعدة سنوات، عرفها عن بعد من مقالاتها في الصحف، وتأليفها للكتب، وعرفها عن كثب في صالونها الأدبي الذي كان يؤمه كبار الأدباء والمفكرين مساء كل ثلاثاء، وكان هو أصغر رواد هذا الصالون سنا حين كان يؤمه في سنتي 1915 و1916، وكانت سنه لا تزيد عن سبع وعشرين سنة، وكانت سنها لا تجاوز الحادية والعشرين، ولكن كلاهما كان نجما ساطعا في شباب الأدباء وجيله المثقف الحديث.
ناپیژندل شوی مخ