(فمقام كل) شروع في بيان اختلاف المقامات، وقال الشارح المحقق: وفيه إشارة إجمالية إلى ضبط بديع للمقتضيات، حيث فصل فيها بين ما يخص أجزاء الجملة، وما يخص الجملتين فصاعدا، وما لا يخص شيئا منها، والثاني مقام الفصل والوصل، والثالث مقام الإيجاز وخلافه، والأول ما عداهما، أقول مع تقديم ما هو الأصل والتصريح به، وتأخير ما هو الفرع وبيانه إجمالا فيما أجمل، ألا ترى أن التنكير مثلا أصل، والتعريف فرعه؟ ! وكذا الفصل لكن المناسب حينئذ أن يقول: ومقام المساواة يباين مقام خلافه، ويمكن أن يعتذر بأنه لما كان في سلوك طريق الإيجاز دعا اهتمامه بالإيجاز إلى ذكره، ولا يذهب عليك أن ضبطه لأكثر المقتضيات لا بجميعها، فإن من المقتضيات ما يخص بنفس الجملة، كالتعبير عن الخبر بالإنشاء وبالعكس، ومنها ما يخص لجزئي الجملتين كإعادة اسم ما استؤنف عنه، نحو: أحسنت إلى زيد زيد حقيق بالإحسان، وإن الذكر والحذف المذكورين في الفصل الأول لا يخص بأجزاء الجملة، بل يعم الجملة والجملتين فصاعدا فمقام كل (من التنكير) أي شيء كان المنكر من أجزاء الجملة (و) كذا (الإطلاق والتقديم والذكر يباين مقام خلافه) ظاهره مقام خلاف كل، وليس لنا مقام هو بخلاف كل، وهذه شبهة صعبت على المهرة، وغاية ما # ذكر في دفعها ما اصطاده جواد قلم السيد السند فاض عليه المغفرة من الأحد الصمد طول الأبد إلى الأبد، أن هذا إجمال لتفصيل جميل إذ المقصود فيه أن مقام التنكير يباين مقام خلافه إلى آخر الكلام، إلا أنه أجمل طلبا للاختصار فوقع الخلل في الإضمار، فالمقصود صحيح واضح، والعبارة مختلفة لا تصح فمن يناقش في المراد بشأنه الاعتداد، ومن يذب عن العبارة الفساد فهو في خرط القتاد، ونحن نقول لما تعارف هذا الإجمال في إفادة التفصيل، وشاع في محاورات البلغاء وأرباب التحصيل فالبيان أيضا بيان جميل.
(ومقام الفصل يباين مقام الوصل ومقام الإيجاز يباين مقام خلافه) صرح بخلاف الفصل بخلاف غيره حفظا لحسن موازنة الوصل للفصل، وطلبا للاختصار بقدر الإمكان، فتأمل. وينبغي أن يحمل قوله: ومقام الفصل يباين مقام الوصل على أن مقام كل فصل يباين مقام كل وصل، ليكون مشيرا إلى تفاوت مراتب الفصول والوصول، ويحمل قوله: ومقام الإيجاز يباين مقام خلافه على أن مقام كل إيجاز يباين مقام كل مخالف له، لذلك فيكون على طبق ما في المفتاح، ولكل حد ينتهي إليه الكلام مقام ، فإن لكل من الإيجاز والإطناب لكونهما نسبيين حدودا ومراتب متفاوتة، ومقام كل يباين مقام الآخر.
(و) كذا (خطاب الذكي) أي كذا مقام ما يخاطب الذكي (مع) مقام (خطاب الغبي) أي ما يخاطب به الغبي، وهذا أيضا لا يخص بأجزاء الجملة، ولا بالجملتين فصاعدا، وإنما فصل عما سبق لأن التفاوت فيه نشأ من قبل الخطاب لا من قبل نفس الكلام، والمراد بالذكي الذكي بالإضافة إلى غيره، وكذا المراد بالغبي، فيندرج فيه تفاوت مراتب الذكاء والغباوة. في القاموس الذكاء:
سرعة الفطنة، والغباوة: عدم الفطنة، هذا فالمقابل للغبي هو الفطن، إلا أنه أراد به الفطن، واختاره لمزيد مناسبة لفظية بينه وبين الغبي، فلذا لم يقل مع خلافه.
مخ ۱۸۷