وكما جاء في الخبر: «كلّما سمع هيعة طار إليها» (١)، وكما قال: [من الرمل]
لو يشا طار به ذو ميعة ... لاحق الآطال نهد ذو خصل (٢)
ومن ذلك أن «فاض» موضوع لحركة الماء على وجه مخصوص، وذلك أن يفارق مكانه دفعة فينبسط، ثم إنه
استعير للفجر، كقوله: [من الكامل] كالفجر فاض على نجوم الغيهب (٣) لأن للفجر انبساطا وحالة شبيهة بانبساط الماء وحركته في فيضه.
فأما استعارة «فاض» بمعنى الجود، فنوع آخر غير ما هو المقصود هاهنا، لأن القصد الآن إلى المستعار الذي توجد حقيقة معناه من حيث الجنس في المستعار له.
وكذلك قول أبي تمام: [من الطويل]
وقد نثرتهم روعة ثمّ أحدقوا ... به مثلما ألّفت عقدا منظّما (٤)
_________
وضيف جاءنا والليل داج ... وريح القرّ تحفز منه روحا
فطرت بمنصلى في يعملات ... ووامى الأيد يخبطن السّريحا
يقول: غشيهم الضيف، وبرد الشتاء تدفع روحه للخروج لضعفه. فأسرع لسيفه إلى نوق يعقرها ليقريه. والمنصل، بضم الميم والصاد، والمنصل: السيف اسم له. قال ابن سيدة: لا نعرف في الكلام اسما على مفعل ومفعل إلا هذا. اليعملات: جمع يعملة، واليعملة من الإبل: النجيبة المعتملة المطبوعة على العمل ولا يقال ذلك إلا للأنثى. هذا قول أهل اللغة وقد حكى أبو عليّ يعمل ويعملة. السريح: جمع سريحة: وكل قطعة من خرقة متمزقة أو دم سائل مستطيل يابس، فهو وما أشبهه سريحة، وتجمع أيضا على سرائح، والسريحة: الطريقة من الدم إذا كانت مستطيلة. لسان العرب: نصل- عمل- سرح.
(١) جزء من حديث رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: «من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه كلّما سمع هيعة، أو فزعة طار على متنه، يبتغي القتل أو الموت مظانّه ...» الحديث رواه مسلم (١٨٨٩)، ومظانّه: أي في المكان الذي يظن وجوده فيه.
(٢) البيت لامرأة من بني الحارث بن كعب ترثي بعض من يخصها، في شرح الحماسة ٣/ ٧٣، والخزانة ١١/ ٢٩٨ - ٣٠٣، وهو من ثلاثة أبيات هو ثانيها، وأوله:
فارس ما غادروه ملحما ... غير زميل ولا نكس وكل
الميعة: أول جري الفرس وأنشطه. النهد: فرس نهد: جسيم، مشرف، تقول منه: نهد الفرس، بالضم، نهودة، وقيل: كثير اللحم حسن الجسم. الخصل: جمع خصلة: الشعر المجتمع. الليث:
الخصلة بالضم: لفيفة من الشعر. لسان العرب: ميع، نهد، خصل.
(٣) البيت للبحتري في ديوانه وصدره:
يتراكمون على الأسنة في الوغى
(٤) البيت في ديوانه.
1 / 48