اشیا ته پریږدم ورورسیده
الأشياء التي تركتها وراءك: مختارات قصصية لجون ريفنسكروفت
ژانرونه
يجمع أسلوبه اللغوي بين الكلمة الإنجليزية (البريطانية) الرفيعة وبين التعبيرات الدارجة الحديثة. يجيد القفز بينهما في نقلات رشيقة، لا نتوءات حادة تعرقل استرسال التلقي، وبغير إثقال من أي منهما على الأخرى. كما يجيد الجمع بين الجملة الطويلة التي تزخر بالجمل الاعتراضية، وبين الجملة الخاطفة المباغتة التي تشبه الومضات أو الطلقات التي تعمل على إنارة النص حينا، وفي حين آخر تعمل على تسريب شحنة من الصدمات المتوالية التي قد تحول فكر القارئ عن المسار الذي كان قد ركن إليه قبل لحظات.
وعن المعجم الخاص بالكاتب، لا بد أن نذكر أنه لم يكتف بمعجمه البريطاني، بل انفتح على ثقافات العالم مثلما نجد في قصة «أحلام» حين استعار مفردات من المعجم العربي، بل الإسلامي، مثل كلمات: مجاهدين - أمة (
ummah - mujahedin )، أو حتى تراكيب عربية من قبيل «العين بالعين والسن بالسن» (
An eye for an eye, A tooth for a tooth ) تلك القصة، «أحلام»، حين جمع على نحو ساخر «أحلام» الأقطاب الأربعة المشتجرة فوق مسرح الإرهاب؛ أمريكا بوصفها القوة المهيمنة في العالم، الدين، وأسامة بن لادن والمدنيون الأبرياء الصرعى. جمع أحلام هؤلاء ورصدها على نحو أقرب إلى الحياد مما يسمح للقارئ أن يصدر حكمه الخاص على من يراه مذنبا ومستحقا للقصاص.
مثل كثيرين من كتاب القصة القصيرة الحديثة، يبدأ ريفنسكروفت نصه، أحيانا، من منتصف الموضوع، أو ربما من نقطة الذروة، ثم يعمل على «لملمة» الزمن من الأمام ومن الخلف حتى تكتمل قصاصات الصورة المشهدية في آخر سطر ربما.
ويقودنا هذا إلى الكلام عن النهايات؛ فهو أحيانا - برأيي الخاص - يثقل النهاية بإيضاح وشروح قد تفسد جمال ورهافة الوقفة المفاجئة المبتسرة التي يجيدها بعض الكتاب المرموقين والتي أجادها هو نفسه في أكثر من قصة في هذه المجموعة. تلك الوقفة التي شأنها أن تدع للقارئ ثغرة يدخل منها إلى فضاء التأويل وثراء الدلالة. فلا هي أغلقت النص على أحادية التلقي ولا هي عطلت القارئ عن عمله في إكمال المشهد مع الكاتب عبر معينه المعرفي الخاص ودرجة نفاذه إلى النص. فيما النهايات الوافية الشافية المكتملة التي «لا غبار عليها» تفوت على القارئ - برأيي - فرصة المشاركة الإبداعية كما أنها تحرمه من متعة الارتطام بالمفارقة وتؤدي إلى استلابه لذة الصدمة. وفي سؤال لي حول ذلك الأمر أجاب ريفنسكروفت بأنه يود أن يخاطب أكبر شريحة من القراء، على تبايناتهم، ولذا يحاول أحيانا أن يطرح الغموض عن قصه ما أمكنه ذلك.
لا تخلو قصص ريفنسكروفت من ومضات من الواقعية السحرية واستجلاب الميتافيزيقا أحيانا (كما نلمس في: رحم يتأهب - النبتة الصغيرة)، أو الاتكاء على الحلم بكل ما فيه من فوضى وخرق لقوانين المنطق والتعليل (الجرس)، إلى جوار الواقعي والمتعين الممسوس بخيط من الرومانسية أحيانا (البومة) تلك القصة الحافلة بكثير من الصور الشعرية وكثير من أسباب الشجن الإنساني الرفيع. وفي حين آخر قد يوسل الحقائق العلمية في بناء شعرية نصه ما يحقق الجديلة الثرية الجميلة بين العلم والأدب (أحوال المادة). كل تلك الخيوط، التي ينجح ريفنسكروفت في غزل نسيجه عبرها، تجعل من تجربته مشروعا أدبيا متنوعا وثريا وجديرا بالترجمة.
ورغم أن السرد أحد أقدم الفنون الإبداعية التي عرفها الإنسان إلا أن فن القصة القصيرة لم يتم تأصيله في العالم إلا في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر فيما فن الرواية أكثر إيغالا في القدم. فقد غدت الرواية شكلا مستقلا من أشكال الأدب في القرن الثامن عشر الميلادي في إنجلترا، حتى ولو استطعنا رصد جذورها الممتدة بعيدا في الأدب الإغريقي القديم.
ظهرت ملامح النضج القصصي الأولى في أعمال بعض الكتاب مثل تشيكوف وموباسان بينما لم تتجل ملامح التكثيف الدلالي والتعبير الفني الحداثي العالي إلا في أعمال المحدثين في بداية القرن العشرين مثل جويس وكافكا وهيمنجواي وغيرهم، ورغم ذلك لم تسد نظرية واحدة وقتئذ تحدد معايير هذا الفن.
ويمكن لمتتبع الإبداع الروائي أن يلمس كيف تطورت طرائق السرد عند المبدعين منذ بداية القرن العشرين وحتى نهايته مرورا بالمرحلة الوسطى التي تحول فيها السرد نوعيا على يد رواد الحداثة من أمثال بروست وجويس وفرجينيا وولف.
ناپیژندل شوی مخ