63

ارخص شپې

أرخص ليالي

ژانرونه

واستند بعضهم إلى الحاجز، ومشي البعض متلكئا، وجلس آخرون.

وكانت الدنيا رائعة.

ظلام ليس أجمل من النجوم تملؤه، ونجوم ليس أجمل من الظلام يحيطها، وهدير البحر يتدفق إلى الآذان وكأنه آت من حناجر ملايين معذبة تعيش في أماكن مجهولة وراء الليل، واهتزازات موتور الباخرة التي يرتج لها كل شيء لا تنقطع، والطلاء الأبيض الذي يلون حتى الحبال، والأضواء الكثيرة التي تحيل الباخرة إلى نجفة كبيرة عائمة في الظلام.

وتوقف الرسام لا يتحرك، وقد بلغت به النشوة حد السكون والاستسلام، وأحس بخياله يمضي على وقع دقات المحرك واهتزازاته، ويجتاز ذلك الحاجز الرقيق الذي يفصل بين حياته وأحلامه، فيعيش وكأنه يحلم، ويحلم وكأن أحلامه حياة.

وصحا على قبلة عبرت بأحلامه، فدق الحاجز بيده كما لو كان يثور، وأخذ طريقه إلى الفراش وهو ساخط على نفسه وضعفه واكتفائه بمشاهدة الفتاة، وكأنها طبيعة صامتة، لا حياة فيها ولا حياة فيه. ولما احتواه الفراش لم ينم، ولكنه راح يتقلب ويثور ويؤكد لنفسه ما استقر عليه عزمه، وكان قد قرر أن يبقى في الباخرة حتى تنجلي الزحمة، ثم يذهب إلى الفتاة ويحدثها، ويطلب منها بلباقة في آخر الحديث أن تقضي معه بضع ساعات في الإسكندرية، حتى يحين ميعاد إقلاع الباخرة.

ونام أخيرا وهو يرقب المحادثة التي سوف تدور، وينتقي كلماتها، بل ويجرب نفسه حين ينطقها.

والتهم المدرس عشاءه كالموهوم، ومضى حالا إلى فراشه، فقد عرف من أحد جيرانه أن وكيل وزارة المعارف مسافر في الدرجة الأولى على نفس الباخرة، وكان عليه أن يتعرف به؛ إذ من يدري؟ ربما؟! ربما أقنعه بكفاءته؟! وجائز جدا أن يقتنع، وجائز أن يعينه ناظر مدرسة أو على الأقل مدرسا أول في القاهرة، وفكر ثانية واحدة في الغد، وكيف سيجد المنيرة؟ لا بد أن أحداثا كثيرة قد وقعت. لا بد أن البواب العجوز قد مات، وصبي موقف التاكسي قد أصبح سائقا. وما لبث أن عاد إلى الوكيل، وظل يفكر ويرتب الأمر بكل دقة حتى أصبحت كل خطوة كاملة العدة في عقله، وأحس بعقله المتعب يرتاح وتثاءب.

وفي نفس الوقت كان الأوسطى شرف راقدا في الفراش، ونار موقدة تحت ظهره، ويده تعبث بشاربه، وتزن ابتسامة المرأة الرومية البدينة التي لوحته بها على العشاء، ويديرها على كل وجه، وقال وهو ينفث زفيره بحرقة: آه لو الواحد يقنيها.

وقطع عوض أفندي صلاته وسلم وسأله عما يقول.

ولم يجبه الأوسطى شرف فلحظتها كان بالتحديد في ليلة الدخلة، والباب موصد عليه وعلى ذات الأرداف، ثم وجد نفسه يستعيذ بالله من فكرة كانت تحوم حوله وتلح ولا ينفع فيها نش، وكان آخر ما رأته عيناه ازدحام الناس الشديد، وتدافعهم والمرأة أمامه، وداهمه النوم قبل أن يطرد الفكرة أو يستعيذ بالله.

ناپیژندل شوی مخ