فان النفس الغاذية هى أول ما يوجد فى سائر الأشياء، وهى قوة شائعة بها يحيا الجميع. وعملها التوليد واستعمال الغذاء. وأحق أعمال الحيوان بالطبيعة إذا كان الحيوان بالغا كاملا غير منقوص وليس كونه منه وبه أن يلد آخر مثله، كقول القائل: الحيوان يلد حيوانا، والنبات نباتا مثله لتشرك الأبدى الروحانى بقدر طاقتها. فان كل شىء له يتشوق 〈و〉إياه يريد، وكل ما فعله فاعل بالطباع فمن أجله يفعله. ومعنى «من أجل» على جهتين: إحداهما له، والأخرى فيه. فلما لم يكن للفاعل الطبيعى أن يشرك الأبدى الروحانى باتصال البقاء، من أجل أنه ليس فى طباع ذوى الفساد البقاء على انفراد الوحدانية، فيكون الشىء باقيا بعينة وشخصه — صار كل واحد من لأشياء إلى مشاركته من حيث استطاع وأمكنه: فبعض أكثر، وبعض أقل؛ فالشىء كأنه هو الباقى، وليس هو الباقى بعينه فى العدد، إلا أنه داخل فى معنى توحد الصورة.
والنفس علة الجرم الحى. وهذا قول متصرف على أوجه: لأن النفس «علة» على الثلاثة الأنحاء التى ذكرنا آنفا؛ وذلك أنها علة ابتداء الحركة، ومن أجل ذلك كان الجرم، وهى جوهر الأجسام ذوى الأنفس. — ومن الظاهر أنها علة كجوهر من الجواهر، لأن الجوهر علة آنية جميع الأشياء، وماهية الآنية تثبت معنى الحياة للحيوان، والنفس علة الحيوان. أيضا الانطلاشيا هى بمعنى الشىء ذى القوة [الفاسدة]، والنفس هى انطلاشيا الجرم ذى القوة. — وكذلك الأمر بين فى أنه علة الشىء الذى من أجله كان الجرم. وكما أن العقل لا يعقل شيئا بغير علة، كذلك الطباع لا يعقل شيئا بغير علة، وتلك العلة هى غايته. وهكذا حال النفس فى الحيوان، لأن جميع الأجرام الطبيعة هى آلة النفس، وكما أن هذا موجود فى الحيوان كذلك نجده فى النبات، لأن النبات إنما كان من أجل النفس النامية. وقد أخبرنا أن لفظة «من أجل» مقولة على جهتين. — وأيضا إن الذى منه كان ابتداء حركة المكان ذاك نفس؛ وليس هذه القوة موجودة فى جميع الحيوان. وبالنفس تكون الاستحالة والتربية، لأن الحس إنما هو ضرب من ضروب الاستحالة، وليس يحس ما لا نفس له. وعلى هذا المعنى يجرى القول فى الزيادة والنقصان، لأنه لا يزيد شىء ولا ينقض إلا أن يكون مغتذيا بالطباع، وليس يجب الغذاء لشىء إلا أن تشارك 〈فى〉 معنى الحياة.
مخ ۳۸