صراط الانسانية من الرهافة والظلمة بحيث ان الانسان لا ينتبه الى ما هو فيه ان لم يكن حذرا جدا انه يحسب ان أعماله لله ولكنها للشيطان ، ولما كان الانسان مجبولا على حب النفس ، فان حجاب حب النفس يستر عنه معايب نفسه ، وقد ياتي بيان بعض ذلك ضمن شرح بعض الاحاديث ان شاء الله ، ونسال الله التوفيق .
ففي دراسة علوم الدين ، مثلا وهي من الطاعات والعبادات المهمة يبتلي الانسان الكامل بالرياء من حيث لا يدري وذلك بسبب الحجاب الغليظ لحب النفس .
ان الانسان يرغب ان يتفرد في فهم معضلة علمية ، وحلها لدى محضر المعلماء والرؤساء والفضلاء ، ويبتهج اكثر ، كلما كان توضيحه للمسألة العلمية احسن ، ولفت انتباه الحاضرين اكثر ، ويحب ان ينتصر على كل من يناظره . انه يشعر بنوع من الدلال العلمي والتفوق ، واذا اقترن ذلك بتصديق من احدى الشخصيات ، لكان نور على نور . ان هذا المسكين غافل عن انه احرز هنا موقعا لدى الفضلاء والعلماء ولكنه سقط من عين ربهم ومالك ملوك العالم ، وان عمله قد ترك بامر من الحق المتعال في سجين . ثم إن عمله هذا من الرياء ممزوج بعدة معاص اخرى ، مثل فضحه واذلاله وايذائه اخا له في الايمان ، واحيانا التجرؤ على مؤمن وهتكه ، وكل واحدة من هذه الاعمال هي من الموبقات وكافية وحدها لادخال الانسان في جهنم . واذا القت النفس مرة اخرى شباك كليدها ، لتقول لك : ان هدفي هو اعلان الحكم الشرعي واظهار كلمة الحق وهو من افضل الطاعات ، وليس لاظهار العلم والتكبر وحب الظهور ، فاسال نفسك في الباطن انه لو كان زميلي المساوي لي في الدرجة العلمية هو الذي قال ذلك الحكم الشرعي وهو الذي حل تلك المعضلة وكنت انت مغلوبة في ذلك المحضر ، اكان ذلك على حد سواء عندك ؟ اذا كان كذلك فانت صادق . واذا لم تترك كيدها وقالت لك : ان اظهار الحق فضيلة ، وله ثواب عند الله تعالى ، وانا اريد ان انال هذه الفضيلة ، واعمر دار الثواب ، فقل لها : لنفرض ان الله تعالى انعم عليك بتلك الفضيلة نفسها في حالة مغلوبيتك وتصديقك بالحق ، فهل تبقين طالبة للغلبة ؟ فاذا رجعتم الى باطنكم ورايتم انكم ما زلتم تميلون الى الغلبة ، والاشتهار بين العلماء بالعلم والفضل ، وان بحثكم العلمي كان لاجل الحصول على المكانة في قلوب اولئك ، اذا ، فاعلموا انكم مراؤون في هذا البحث العلمي الذي هو من افضل الطاعات والعبادات وان عملكم هذا بحسب الرواية الشريفة في كتاب (الكافي) هو في «سجين» ، وانكم مشركون بالله . وان هذا العمل هو لاجل حب الجاه والشرف وهما بحسب الرواية اشد ضررا على الايمان من ذئبين اطلقا على قطيع بلا راع .
اذا ، فعليكم انتم اهل العلم والمتكفلين باصلاح الامة والارشاد الى الآخرة واطباء الامراض النفسية ، ان تصلحوا انفسكم اولا وتجعلوا مزاجكم النفسي سالما ، كي لا تكونوا في الاربعون حديثا :58
مخ ۵۷