ذلك العالم ليس كهذا العالم ، حيث لا يمكن لاي شيء ان يتقبل اكثر من صورة واحدة له ، وهذا الامر يطابق البرهان وثابت في محله ايضا .
واعلم ان المعيار لهذه الصور المختلفة والتي تعد صورة الانسان واحدة منها ، والباقي صور اشياء اخرى هو وقت خروج الروح من هذا الجسد ، وظهور مملكة البرزخ ، واستيلاء سلطان الآخرة ، والذي اوله في البرزخ عند خروج الروح من الجسد ، فباية ملكة يخرج بها من الدنيا ، تتشكل على ضوئها صورته الاخروية ، وتراه العين الملكوتية في البرزخ ، وهو نفسه ايضا عندما يفتح عينه في برزخه ، ينظر الى نفسه بالصورة التي هو عليها في ذلك العالم اذا كان لديه بصر . وليس من المحتم ان تكون صورة الانسان في ذلك العالم على نفس تلك الصورة التي كان عليها في هذه الدنيا . يقول سبحانه وتعالى على لسان البعض : «قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا» ، فياتيه الجواب من الله : «قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى» (1) .
فيا ايها المسكين ؛ قد كانت لديك عين ملكية ظاهرة البصر ، ولكنك في باطنك وملكوتك كنت اعمى ، وقد ادركت الآن هذا الامر ، والا فانك كنت اعمى منذ البداية ، لم تكن لديك عين البصيرة الباطنية التي ترى بها آيات الله .
ايها المسكين ! انت ذو قامة متناسقة وصورة جميلة في التركيب الملكي . ومعيار الملكوت والباطن غير هذا . عليك ان تحرز الاستقامة الباطنية كي تكون مستقيم القامة في يوم القيامة . يجب ان تكون روحك روحا انسانية كي تكون صورتك في عالم البرزخ صورة انسانية ... انت تظن ان عالم الغيب والباطن وهو عالم كشف السرائر وظهور الملكات مثل عالم الظاهر والدنيا ، حيث يمكن ان يقع الخلط والاشتباه ... ان عينيك واذنيك ويديك ورجليك وسائر اعضاء جسدك ، جميعها ، ستشهد عليك بما فعلت ، بالسنة ملكوتية ، بل وبعضها بصور ملكوتية .
ايها العزيز ؛ إفتح سمع قلبك ، وشد حزام الهمة على وسطك ، وارحم حال مسكنتك ، لعلك تستطيع ان تجعل من نفسك انسانا ، وان تخرج من هذا العالم بصورة آدمية ، لتكون عندها من اهل الفلاح والسعادة ، وحذارى من ان تتصور ان كل ما تقدم هو موعظة وخطابة . فهذا كله هو نتيج ادلة فلسفية توصل اليه الحكماء العظام . وكشف ، انكشف لاصحاب الرياضات ، واخبار عن الصادقين والمعصومين .
وليس المقصود من هذه الاوراق ان تكون محلا لاقامة الدليل ونقل الاخبار والآثار بصورة مفصلة .
مخ ۳۲