الى اعتاب الربوبية بكل العبادات والطاعات والعلوم والمعارف ، فلن يكون امامه سوى ان يطأطئ راسه خجلا وذلا وخوفا ، فما هذه العبادة والطاعة ؟ ممن ؟ ولمن ؟ ان كل المحامد تعود اليه تعالى ، وليس للممكن اي تصرف فيه ، بل ان تصرف الممكن يبعث على نقص في اظهار محامد الله والثناء عليه . وهذا ما سألوي عنه عنان القلم ، ففي هذا المقام يقول عز وجل :
«ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك ...» (1) . كما يقول في المقام الاول «قل كل من عند الله » (2)
يقول الشاعر في هذا المقام :
قال مرشدنا : ان قلم الصانع لم يخطا ................... (ان الاخطاء منا)
بوركت نظرته السديدة الساترة للعيوب ............... (قل كل من عند الله)
ان قول المرشد راجع الى المقام الثاني (ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك) . واما قول الشاعر (الشطر الثاني من الشعر) فيعود الى المقام الاول (قل كل من عند الله) وفي هذا المقام يستولي على الانسان الخوف والحزن والخجل والحزي .
والنظرة الاخرى نظرته الى كمال الواجب ، وبسط بساط رحمته ، وسعة لطفه تعالى وعنايته . فهو يرى انه سبحانه قد بسط هذه النعم والرحمات المتنوعة ، التي لا يمكن الاحاطة بها ولا حصرها وتحديدها ، من دون استعداد وتهيأ مسبق لها . وانه قد فتح ابواب لطفه وعفوه على العباد دون استحقاق . فنعمه مبتدءة لا يسبقها سؤال .
كما اشار الى ذلك حضرة الامام زين العابدين وسيد الساجدين كثيرا في ادعية الصحيفة وغيرها ، فيقوى رجاؤه برحمة الحق تعالى ويزداد امله ، بالكريم الذي لا يسبغ كرمه الا من باب الرحمة واللطف ، وبمالك الملوك الذي يفيض علينا بنعمه من دون سؤال او استعداد . تلك النعم التي تعجز العقول عن ادراك بعضها وتقصر . والمالك الذي لا تنقص من ملكه الواسع معصية العاصين ، ولا تزيده طاعة المطيعين ، بل ان هداية ذاته المقدسة لنا الى طرق الطاعات ، ومنعه ايانا عن العصيان ، انما هو من عناياته الكريمة ونعمه وآلائه ، لأجل وصولنا الى مقامات الكمال ومدارجه الرفيعة ، وللتنزه عن النقص والقبح والتشوه .
فاذا جثونا عند اعتاب رحمته وعنايته ، لوجب ان نقول : اللهم انك اذ البستنا لباس الوجود ، ووهبتنا كل اسباب الحياة والرفاه بما يفوق ادراك المدركين ، واريتنا طرق الهداية ، واسبغت علينا من نعمك ، انما كان ذلك لمصلحتنا لننعم بافضالك ونعمك . وها نحن قد وفدنا الى دار كرامتك ، وعلى اعتاب سلطنتك ، مثقلين بذنوب الثقلين ، مع ان ذنوب المذنبين لم الاربعون حديثا :217
مخ ۲۱۶