عقبت او مسلمانان

ژاک تاجر d. 1371 AH
84

عقبت او مسلمانان

أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م

ژانرونه

وأخيرا، وضع الحاكم أهل الذمة بين أمرين: إما الموت وإما الارتداد عن دينهم، فأسلم عدد كبير من الناس اجتنابا لهذا الإرهاق، كما هجر بعضهم دورهم سرا ولجئوا إلى المناطق التابعة للإمبراطورية البيزنطية، أما الذين كتموا إيمانهم، فكانوا يجتمعون في ندوات خاصة؛ حيث كانوا يخفون الآنية والذخائر المقدسة التي أفلتت من المصادرة والنهب والسلب.

ويذكر المقريزي أمرا قضى بنفي جميع النصارى إلى أراضي الروم،

26

وأن النصارى التمسوا عفو الحاكم بأمر الله، فأذن لهم بالبقاء في مصر،

27

ويصف لنا الأنطاكي مشهدا وقع بالقاهرة عام 403ه «1012م» يدل على اليأس الذي ملك قلوب النصارى، فيقول: «اجتمع سائر من بمصر من الكتاب والعمال والأطباء وغيرهم مع أساقفتهم وكهنتهم وتوجهوا إلى قصره وكشفوا عن رءوسهم في باب القاهرة ومشوا حفاة باكين مستغيثين إليه يسألونه العفو والصفح، ولا يزالوا في طريقهم يقبلون التراب إلى أن وصلوا إلى مقره، وهم في تلك الحال، فأنفذ إليهم أحد أصحابه وأخذ منهم ورقة كانوا كتبوها يلتمسون عفوه عنهم وإزالة سخطه، فأعاد إليهم الرسول ورد عليهم ردا جميلا.».

28

لم يتحمل نصارى مصر من الاضطهاد، منذ دخول العرب أرض مصر، أكثر مما تحملوه في عصر الحاكم، ولم يحاول مؤرخ مسلم واحد أن يبرر هذه الأعمال الوحشية، لقد أراد بعض الذين دونوا تاريخ هذه الفترة أن يخففوا من مسئولية الحاكم بحجة ضعف قواه العقلية، غير أنه لا يوجد ما يؤكد أن الحاكم كان مجنونا، لعله كان شرس الطباع، فكان يجد لذة في تعذيب غيره، ولكنه كان يعي كل أفعاله حتى الغريبة منها، وأكثر من ذلك، لقول إن كل أمر كان يصدر عنه، إنما كان استجابة لفكرة معينة سواء كانت هذه الفكرة حسنة أم سيئة، وإن إغلاق الأماكن العامة ومنع النساء من الخروج إلى الطريق، والعبارات المهينة التي كتبها على جدران المساجد، ما كانت إلا تنفيذا لخطة مرسومة.

وهكذا استمر الحاكم يعبث بخضوع شعبه له، إلى أن جاء أحد المغامرين من الأندلس اسمه «أبو ركوة» وكان يدعي أنه من بني أمية، فرفع علم الثورة فاجتمع حوله عدد كبير من الناقمين على أفعال الحاكم بأمر الله، فما كان من الحاكم - وهو الخليفة الواقعي الذي يعي تماما كل أفعاله - إلا أن كف عن تحدي السنيين، كما كف عن إيذاء الناس، ثم إنه ألغى بعض الطقوس الخاصة بطائفة الإسماعيلية ، كما أدخل بعض التقاليد السنية.

ولم يكن ادعاء الحاكم بأنه إله، إلا نتيجة منطقية لمذهب طائفة الإسماعيلية الشيعي، لا مظهرا من مظاهر جنونه، ونحن نتساءل، هل كان ادعاؤه الألوهية مقدمة لتسامحه الديني الذي عمل به في آخر عهده، كما يؤكده بعض المستشرقين؟ ليس هناك ما يحملنا على أن نثق بهذا القول، بل يخيل إلينا أن حادثا خطيرا حدث في ذلك الحين، فأجبره على التسامح.

ناپیژندل شوی مخ