عقبت او مسلمانان
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
ژانرونه
وفكر عمرو أيضا في إيجاد أداة قد تكفل حسن سير العدالة وصرح بمساهمة الوطنيين النصارى فيها، فقسم البلاد إلى عدد من الدوائر وعين في كل دائرة منها قاضيا قبطيا كلفه بفض الخلافات المدنية والدينية لغير المسلمين، أما إذا كان الخلاف بين قبطي ومسلم، رفع الأمر إلى مجلس مكون من قضاة الطرفين، وكانت المسائل الجنائية من اختصاص القضاة المسلمين وحدهم. (2-5) الخلاف بين عمر وعمرو على جباية الضرائب
لما استشار عمرو الأقباط في مسألة الضرائب، نصحوا له ألا يقوم بجبايتها حسب التقويم القمري، ولكن حسب التقويم المصري الذي وضعه الفراعنة منذ أمد بعيد وفق الفصول والمواسم، وقد وافق عمرو على هذا الرأي، ولكن عمرا أنكر على عامله هذا التصرف لحاجته الملحة إلى المال، وأمره بأسلوب قاطع أن يستعجل جباية الضرائب ويرسلها إلى المدينة.
ولم يحل بخاطر إنسان أن يخالف عمرو أوامر الخليفة، ولكن ذلك الذي حدث بالفعل، وتبادل التابع والمتبوع في هذا الشأن عدة خطابات امتازت باللهجة الشديدة، ثم كان عمر لا يفهم لماذا تهبط قيمة الضرائب المفروضة على مصر سنة بعد سنة، ولكن هذا ما حدث بالفعل بعد أن شلت حركة التجارة من جراء الحروب، وبعد أن قل عدد دافعي الجزية لازدياد عدد النصارى الذين اعتنقوا الإسلام، أما أهل الذمة أنفسهم، فلم يجدوا غضاضة في الإفلات من الجباة كلما سنحت لهم الفرصة، وسنتحدث عن ذلك عند الكلام عن المالية.
لما استبطأ عمر بن الخطاب الخراج من قبل عمرو بن العاص، كتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام الله عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فإني فكرت في أمرك والذي أنت عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، وقد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوة في بر وبحر، وأنها قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملا محكما مع شدة عتوهم وكفرهم، فعجبت من ذلك وأعجب مما عجبت أنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدوب، ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر ورجوت أن تفيق فترفع إلي ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها، لا توافق الذي في نفسي، لست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدري مع ذلك ما الذي نفرك من كتابي وقبضك، فلئن كنت مجربا كافئا صحيحا، إن البراءة النافعة، وإن كنت مضيعا لطعا، إن الأمر لعلى غير ما تحدث به نفسك، وقد تركت أن أبتلى ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق فترفع إلي ذلك، وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا عمالك، عمال السوء، وما توالس عليه وتلفف اتخذوك كهفا، وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك فيه، فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه، فإن النهر يخرج الدر والحق أبلج ودعني وما عنه تلجلج فإنه قد برح الخفاء ، والسلام.»
فكتب إليه عمرو بن العاص: «بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من عمرو بن العاص، سلام الله عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج، والذي ذكر فيه من عمل الفراعنة قبلي وإعجابه من خراجها على أيديهم ونقص ذلك منها مذ كان الإسلام، ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر والأرض أعمر؛ لأنهم كانوا على كفرهم وعتوهم أرغب في عمارة أرضهم منا منذ كان الإسلام، وذكرت أن النهر يخرج الدر فحلبتها حلبا قطع درها، وأكثرت في كتابك وأنبت وعرضت وتربت وعلمت أن ذلك عن شيء تخفيه على غير خبر، فجئت لعمري بالمفظعات المقدعات، ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق، وقد عملنا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
ولمن بعده، فكنا نحمد الله مؤدين لأمانتنا حافظين لما عظم الله من حق أئمتنا نرى غير ذلك قبيحا والعمل به شيئا فتعرف ذلك لنا ونصدق فيه قلبنا معاذ الله من تلك الطعم ومن شر الشيم والاجتراء على كل مأثم، فأمضي عملك، فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنيئة والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضا ولم تكرم فيه أخا، والله يا بن الخطاب؛ لأنا حين يراد ذلك مني أشد غضبا لنفسي ولها إنزالها وإكراما، وما عملت من عمل أرى عليه فيه متعلقا، ولكني حفظت ما لم تحفظ، ولو كنت من يهود يثرب ما زدت يغفر الله لك ولنا، وسكت عن أشياء كنت بها عالما، وكان اللسان بها مني ذلولا، ولكن الله عظم من حقك ما لا يجهل.»
ولما أراد عمرو أن يرد مرة أخرى على عمر، لم يستطع الخليفة أن يكتم غضبه واتهمه صراحة بأنه لا بد أن اختلس مبالغ كبيرة من المال،
32
ولم يلبث أن بعث إليه محمدا بن مسلمة الأنصاري ليتسلم منه نصف المستحق له.
ناپیژندل شوی مخ