انظار سدیده
الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة
ژانرونه
(المهدي): ومن أوضح ما يستدل به على صحة نقل الشرع عن المعنى اللغوي اتفاقا، نحن والخصم على أن الفسق في اللغة اسم للظهور بعد الاستتار، كما يقال: فسقت الرطبة إذا ظهرت عما كان ساترا لها، وللخروج عن الساتر للإضرار، كما سمت العرب الفأرة: فويسقة أي خارجة عن ساترها للإضرار بالغير، وبالاتفاق بيننا وبين الخصم أن الزنى وشرب الخمر فسق، وأن الشرع هو الذي وضع عليهما هذا الاسم لا اللغة، فصح أن الشرع قد ينقل عن المعنى اللغوي إلى معنى شرعي، وإذا صح ذلك في الفاسق صح مثله في المؤمن، إذ لا قائل بالفرق بينهما، وأيضا أهل اللغة لم يضعوا اسم فاسق لمن خرج عن كونه مطيعا إلى كونه عاصيا، بل وضعوه اسما للظهور أو الخروج من ساتر الأضرار، كما مر، فلا يقال: إن تسمية الزنى فسقا باعتبار المعنى اللغوي ومن ادعى ذلك، أو قال: أن المستعمل له في المعنى الشرعي أهل اللغة أكذبته الضرورة، وما ثبت في الفسق ثبت مثله في الإيمان، إذ لا فارق بينهما من علماء الأمة أصلا، ومن الأدلة العقلية على ما ذهبنا إليه أن لفظ مؤمن اسم مدح على الإطلاق، ولفظ فاسق اسم ذم على الإطلاق، فلا يجوز أن يوصف بهما شخص واحد لتنافيهما، كما لا يحكم له باستحقاق المدح والذم، ولأنه يؤدي إلى اجتماع التعظيم والاستخفاف، وهما نقيضان، والنقيضان لا يجتمعان.
مخ ۸