واحرص على النفس أن يدني لها الأجلا
من كل هيفاء إن ماست وإن نظرت
لم تترك القلب إلا حائرا وجلا
فإن أثر شوقي محسوس في هذه القصيدة. ولكن أبا شادي لم يقف عند حد مثل هذا التأثر ولا عند حد تجاوبه مع زعيم المجددين خليل مطران، بل تحول إلى الأدب الإنجليزي وتأثر به على قدر مطالعاته في ذاك الحين. وظهر أثر هذا التأثر في قطعة «موسيقى الوجود» التي نظمها متأثرا بقصيدة «موسيقى العالم» للشاعر جبرائيل سيتون. وإلى هذا فإنا نلحظ في هذا العهد نزوع الشاعر النسبي إلى الابتكار وإلى التفكير الحر وإلى الطلاقة الشعرية، كما يتجلى ذلك في قصيدته «أنفاس الخزامى» وهي من أفكاره الأصيلة، وفي قصيدته «بنات الخريف» التي نزع فيها نزعة مستقلة متجردة عن آثار كبار الشعراء في عصره، وهذا ينم عن وجود شخصية فنية فتية تعمل للبروز وللحياة، شخصية بدأت مرحلتها الفتية مدفوعة بعاطفة الحب الفردي والحب القومي وأخذت تتطور إلى العاطفة الإنسانية العامة، وغمرت تلك العاطفة الأخيرة دواوينه التي نشرت حديثا. فعاطفة الحب الفردي اختفت تقريبا من دواوينه الأخيرة وإن كان قلبه لا يزال يندلع به اللهب، وعاطفة الوطنية المتحمسة هدأت واعتدلت وتسيطرت عليها العاطفة الإنسانية التي جعلته يميل إلى «الأسلوب المتعادل» يعبر به عن شعوره، وينزع إلى الطلاقة في التفكير والصدق في الطبيعة، وإلى الانسجام في الترتيل، وإلى الروح الشعرية العامة التي تجعل شعره قابلا للترجمة إلى أية لغة، وبهذا كون أبو شادي لنفسه نزعة خاصة، وشخصية فنية مستقلة. •••
ولنا كل الحق بعد هذا أن نرحب بهذا الديوان البكر في ثوبه الجديد لأنه قطعة من نفس الشاعر وعمل يفتخر به كبار الأدباء في نشأتهم، ولأنه من البذور الأولى لأزهار الشعر الحديث ومن الإرهاص الأول لحركة التجديد الأخيرة.
ونكرر التأكيد بأن هذا الديوان سوف يرضي بجمال ديباجته جمهرة المحافظين وقد أرضى أمثالهم من قبل، كما سوف يبهج بجرأة أخيلته وبراعة تصويره أذهان المجددين. ونحن بلا ريب نفخر بجهود أبي شادي التعاونية الحاضرة وبروحه الأدبية النبيلة المتسامحة، التي لا نجدها في جمهرة أدبائنا، ولا نريد أن نترك القلم حتى نسجل أسفنا للحملات المجنونة التي يشغب بها فريق من المحافظين وبعض العاثرين من عجزة الأدباء ضد أبي شادي وضد أدباء الشباب، بل نأسف أكثر من ذلك لتلك الطعنات التي يوجهها إليه حتى بعض من أشاد أبو شادي بذكرهم. ويسرنا أن أبا شادي يقابل تلك الحملات بالسماحة، وبالإنتاج الفكري المطرد، تاركا لأعماله ذاتها إنصاف نفسها بنفسها، وقد تعود الآلام والجحود من قديم في بيئتنا المصرية المتأخرة فناجى نفسه مناجاة قوية في قصيدته الرائعة «فؤادي» التي يقول فيها:
تشجع في المصائب يا فؤادي
وكن بصلابة الحجر الكريم
ألست كجوهر في طي جسمي
خبيء لا يعرف للئيم
ناپیژندل شوی مخ