إلا أنها المصائب التي نذكرها بعد ضاحكين، ولا ندري هل نتمناها أو نتمنى انقطاعها ... فإنها المصائب التي يسوءنا أن تنقطع من الحياة ...
وأي مخلوق أحب إلى القلب من المخلوق الذي يسليك وهو يحرجك، ويعزيك وهو يبكي أمامك، ويجددك أنت، وهو ينظر إلى كل قديم من حولك، ويعلمك وأنت تحسب أنك لا تفرغ من تعليمه، وأن دروسه التي يمليها عليك لأنفع من دروسك التي تمليها عليه.
لكن ... ويا لها من لكن!
لكنها - كما نعلم جميعا - متعة غالية الثمن. غالية جدا لا نملك ثمنها؛ لأنه قاصم للظهور في كثير من الأحوال.
فنظرة إلى طفل مريض تنسيك متاع الدنيا بأسرها، وصيحة ألم من ذلك الصغير تزلزل عزائم الأبطال.
أما إذا كان الخطب أجسم من ذلك فلا حول ولا قوة فيه إلا من حول الله وقوته ... وكلاهما ليس في اليدين ...
وجاهل بهذا الخطب من يحسب أن الحزن على الصغير أهون من الحزن على الكبير؛ إذ الواقع أن الحزن على الكبار قد يهون عند الحزن على هؤلاء الصغار؛ لأنك تحزن عليهم بمقدار تعويلهم عليك ومقدار الرجاء في غدهم، وغدهم طويل مفتوح لآمال الخيال، ونظرتهم إليك وهم مرضى على يديك تطالبك بالمعجزات، وتعجزك بعد ذلك عن الصبر على ذلك الأمل الذي ضاع فيك وضاع فيهم، فلا عزاء.
متعة نفيسة، وثمن غال، ومما زهدني في اقتناء المتعة النفيسة علمي بغلو الثمن ... ولا أخالني مع هذا نجوت مما ابتليت به في طائفة من هؤلاء الأصدقاء الأعزاء ... (3) أنا في السجن
فتحت الكوة الصغيرة، ثم فتح باب الرتاج الكبير، ثم احتوانا البناء المحفور الذي يعرف في مصلحة السجون باسم «سجن مصر العمومي»، ويعرف على ألسنة الناس باسم «قره ميدان»، أي الميدان الأسود باللغة التركية! ...
وخطر لي - وأنا أخطو الخطوة الأولى في أرض السجن - قول الفيلسوف ابن سينا وهو يخطو مثل هذه الخطوة:
ناپیژندل شوی مخ