48

وتتخلل الإفادة قوالب تعبيرية أو «كليشيهات» على هذا المثال لا يجوز فيها التبديل ولا التقديم ولا التأخير.

وأكتب عشرين أو ثلاثين إفادة دفعة واحدة، فإذا هي تعاد إلي «لتصحيحها وكتابتها مرة أخرى بالأسلوب المعهود». •••

ويتكرر هذا مرة بعد مرة، ولا متسع من الوقت لكتابة الإفادات جميعا، فضلا عن كتابتها وتغييرها بلا سبب غير هذا الجمود على الأسلوب العتيق.

ويتفق يوما أن أدخل على «الباشكاتب» بالإفادات المشطوبة فأجده منفردا في المكتب، وتزين لي «شقاوة» التلمذة أن أعبث بالرجل عبثا لم يكن يخطر له على بال، وبخاصة هذا الباشكاتب الذي اشتهر في مديريات القطر بالحزم والمهابة والدراية بأصول الإدارة، وأساليب المكاتيب.

قلت له في كل بساطة: «يا أيها الحمار الأزعر ... أمثلك يصحح الكتابة العربية، وأنت لا تعرف منها غير الهجاء، وكتابة (العرضحالات)؟!»

ولم يصدق الرجل أذنيه، وظن أنه أمام مجنون لا يؤمن أن يبطش به ويعتدي على حياته، فقفز من كرسيه إلى خارج الحجرة ينادي الفراشين والموظفين المساعدين، ثم ذهب إلى مكتب وكيل المديرية يشكوني إليه؛ لأن المدير (محمد محب باشا) كان غائبا عن البلد ، وينوب عنه «محمد خليل نائل بك» الذي كان معروفا في ذلك الوقت بأنه رجل «رياضي» بحبوح قبل أن تشيع كلمة ال «سبورت».

ويدعوني الوكيل فأقول له مقسما أنني ما خاطبت الرجل إلا بما يستحقه من الاحترام. ويبتسم الوكيل الظريف، ثم يقول للبك الباشكاتب: دعه لي ... فإنني سأنظر في أمره «بما يستحقه».

وما كاد الباشكاتب يولي قفاه حتى ضحك الوكيل وكاد أن يقهقه، ثم اصطنع العبوس وهو يقول: اسمع يا بني ... شغل الحواة في المدارس لا ينفع هنا في الوظائف، ولو ثبت عليك أنك تطاولت على حضرة الباشكاتب لكان جزاؤك الفصل العاجل، فلا تعد إليها مرة ثانية.

وقد علمت بعد ذلك أن الباشكاتب قد استكبر على مهابته المشهورة أن يذاع عنه أن موظفا صغيرا قال له: «يا حمار» ... فلم يذكر للوكيل إلا بعض ما قيل!

وتجربة أخرى في هذا الديوان نفسه أننا كنا نعمل في بقسم المكلفات - أي تدوين الملكيات الزراعية - أيام فك الزمام، وليس أكثر من هذه الأيام من العقود الواردة من المحاكم ومن الأقاليم، فلا طاقة للموظف بإنجاز العمل مرة واحدة فضلا عن إنجازه مرتين.

ناپیژندل شوی مخ