ولكن ما لي أنا؟
وأسرعت ذاهبا إلى الجريدة لأرى ما أصابها، ولم يكن بها سوى آثار تحطيم قليل، فذهبت إلى مكتب الأستاذ علي مختار لأعرف منه ما حدث، وكان ظاهر الوجوم يدخن سيجارته صامتا.
وبدأني قائلا: أتعرف ماذا حدث؟!
وكنت أتوقع أن يحدثني عن المظاهرة فقلت في دفعة: هذا إعلان إفلاس من الحكومة، هي لعبة قديمة أصبحت مرذولة.
فأشار بيده إشارة استخفاف قائلا: تقصد المظاهرة؟ هذا عبث لا يهمني، بعض صيحات وبعض ألواح من الزجاج وبعض مضايقات صغيرة، ولكنهم صادروا العدد، ألف جنيه خسارة على الأقل، مائة ألف نسخة كل نسخة بقرش.
وتبسم في مرارة وهو مستمر في حديثه: ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، وأنا آسف يا سيد أفندي؛ لأنك تأبى إلا أن تكتب بإمضائك، كان يمكنني أن أتحمل المسئولية وحدي وأحميك أنت لو كنت تكتب بغير إمضاء أو باسم مستعار كما نصحتك، فأنت مطلوب معي للنيابة في الساعة الثانية بعد الظهر.
ونظر إلى ساعته قائلا: أوه، قم بنا فإن الموعد قد جاء.
وقام عن مكتبه لنذهب إلى دار نيابة الصحافة، وأنا شاعر في قرارة نفسي أنني المسئول عن كل هذه المتاعب، ومما زاد ضيقي أنني كنت عازما على السفر إلى دمنهور في المساء بعد انقطاعي عن أهلي كل هذه الأشهر، ووقفت بنا العربة آخر الأمر أمام دار نيابة الصحافة ونزل الأستاذ علي مختار، ونزلت وراءه حتى دخلنا إلى مكتب السكرتير وكان مزدحما بالجالسين، فذهب الأستاذ علي إلى الجالس على المكتب وهمس له بكلمات.
فهز الشاب رأسه وتلفت حوله في فتور، ثم قام ودخل إلى مكتب محقق النيابة فبقى فيه حينا، ثم عاد إلى الأستاذ فدعاه للدخول.
وبقيت وحدي أتلفت حولي إلى وجوه الجالسين وكانوا أخلاطا لا أعرف منهم وجها، وتطلعت نحوي عيون كثيرة تفحصني، وكنت في ملابسي القديمة فخشيت أن تحتقرني الأنظار، فرفعت رأسي وسرت في هدوء واستعلاء نحو النافذة القريبة، فاتكأت عليها وأشعلت لفافة من صندوق السجائر الفاخر الذي اشتريته بالأمس، وجعلت أنفخ دخانها وأنا أدير بصري في الغرفة ثابتا.
ناپیژندل شوی مخ