وكاد نامق لولا الوقار أن يقفز من كرسيه. - زواج!
ونظر إليه مختار بك دهشا، وما أسرع ما تملك نامق بك نفسه. - إكسلانس. - لم أكن أتوقع هذا الحديث. - لا بد لكل حديث من بداية. - طبعا مختار بك لا يمكن أن أمانع، ولكن أنت تعرف الوضع. - أنت الوالد. - ولكن أمها هي التي ترعاها. - أنت الوالد. - من جهتي لا مانع. - فالأمر منته. - وهو كذلك.
وهم مختار بك بالضحك، ولكنه يسمع نامق يستدرك: إنما قل لي يا مختار بك، إننا لم نعرف رأي نديرة.
ووجم الضحك على وجه مختار وظل لحظات فاغرا فاه، ثم ... - رأي من؟! - نديرة، أم تقل إنك تخطب نديرة. - أنت تمزح لا شك يا نامق بك، منذ متى نسأل البنات؟
صحيح، فما قولك يا مختار بك في رجل لا يستطيع أن يقول رأيه في نفسه؟ أطبق عليه الزواج ولا يستطيع منه فكاكا. صحيح، صحيح. - صحيح، صحيح.
وضحك مختار أخيرا وهو يقول: لطيفة هذه النكتة، لم يبق إلا أن نسأل البنات.
وضحك نامق في بله وحيرة: صحيح، لم يبق إلا أن نسأل البنات. ••• - تستطيع الآن أن تقول ماذا تنوي أن تفعل. - ألم أقل؟ - ولكني غير مطمئن. - ما الجديد؟ - ألا تعرف؟ - ولكن ما الجديد؟ - لن تكون حرا. - وهكذا ستصبح حاجتي إليك أشد. - أترى ذلك؟ - ألا تعرفين ذلك؟
6
إذن سيعود اليوم. مرت سنوات لم أسمع صوته، ولم أشعر بأنفاسه تتردد حولي، ولم أنعم بهذا الدفء الذي أحسه في جواره ولا أحسه في جوار أحد آخر من الناس. أي مشاعر عجيبة هذه! كيف أحبه كل هذا الحب وأنا لا أراه؟! - أبي، ألست ابن باشا؟! - وأي عجيبة في هذا؟ - العجيبة أنك دخلت الأزهر. - لم يكن لنا خيار يا ابني، وكان لا بد أن أدخل الأزهر. - الباشا والدك كان فقيرا؟ - لم يكن غنيا على كل حال. - سمعتك تقول إن التعليم في الأزهر كان مجانا. - ليس هذا هو السبب. - هناك سبب آخر إذن؟ - قل لي يا صالح، ألا تجد في أبيك شيئا غريبا؟ - إنك أبي. - هذا لا يكفي. - كان يمكن أن تدخل مدرسة مع ذلك. - لست صغيرا يا صالح، إن أصلح معهد لمن كان مثلي هو الأزهر الشريف. - من أجل هذا إذن.
ولكن هذه العمامة على رأسي لم تكن تقيد حركته، أو أنني أرجو ألا أكون قيدا على حريته، تركته يفعل ما يشاء، وأحببته. سبحان الله كيف أحبه كل هذا الحب! أحب صوته وأحن إليه، ذلك الحنين الذي يرويه المحبون في أشعارهم. وما لي أعجب؟ ألم أكن أحب أبي وأمي؟ وزوجتي ألم أكن أحبها؟ بعد أن تزوجنا، لا بأس ولكني أحببتها، أحببت رعايتها لي وحدبها علي، كل هذه الأنواع من الحب مبعثها أنا، أحببت أبي وأمي وزوجتي لأنهم أحبوني، لقد أحببت نفسي في حبي لهم، ولكن ابني الذي أغدق عليه ما وسعني الجهد، وأنفق في سبيل تعليمه ورغباته ما أطيق، لماذا أحبه كل هذا الحب؟ لعلني أحب نفسي فيه. ومن أدراني أنه يحمل صورتي؟ يقولون ... ألا يقولون لكل والد إن ابنه يشبهه؟ أحقا حبه يحملني إلى الأجيال القادمة؟ وما الأجيال القادمة وما قيمتها وأنا في عالم آخر لا ينفع فيه مال ولا بنون؟ لعلني أحب أن أعيش في ابني بعد أن أموت، وهل نعمت بالعيش قبل أن أموت؟ لعلني أحب أن أعيش فيه مبصرا، المفروض أنني سأكون مبصرا في العالم الآخر. - أطال الله عمرك يا ابني. - قل ما تريد. - اتركني أدع لك أولا . - لأنك تريد شيئا؟ - لأني أريد أن أدعو لك. - لماذا؟ - لأني أبوك. - لأنك كل شيء. - لأني أبوك. - هناك كثير من الآباء لا يصنعون ما تصنع. - أحببت أن تعيش حياتك كما أردت أن تعيشها. - نعم، مع أنك لم تقل أبدا، إلا أنني أحسست دائما أنك تريدني أن أعيش الحياة التي أريدها. - من أجل هذا قلت الدعاء. - وأنا أعلم أنك لست وافر الغنى، ومع ذلك ... - إنني وافر الغنى بك. - لعلني أوسع نافذة تبتلع مالك. - أحب أن أفعل ذلك. - ترى يا أبي لو ... - قل. - لو فكرت أن ... - لو فكرت أن ... - لقد أنهيت ليسانس الحقوق ومن حقك أن تتزوج إذا شئت. - أتزوج؟! - أليس هذا ما تريد، ما هذا الصمت؟ إنك رجل، قل، أهو الزواج ما تريد؟ - هل أنت يا أبي مستعد للزواج إذا كنت أريد أن أتزوج؟ - طبعا. - فإن طلبت إليك مطلبا آخر؟ - مثل ماذا؟ - مثل السفر إلى الخارج.
ناپیژندل شوی مخ