إذن فهو مهتم بخديجة، منذ دخلنا لا يكلم إلا خديجة، طبعا قدم لي كل ما يستطيع من احترام وإجلال ولكنه لم يحاول أن يتقرب مني أو يتحدث إلي، لقد لمحت في عينيه ومضة خوف، لا شك أنه يعرف أنني هنا بطريقة غير رسمية، هذا الغبي، أيظن أن هذه الزيارة ستخفى عن نامق؟ فماذا يفعل لالا ألماظ أو ماذا يفعل لالا بشير؟ إنه سيعرف، ولماذا لا يعرف؟ كان لا بد لي أن أحطم هذا السجن، وإنه من المستحيل أن يتحطم إن لم أقم بخطوة جريئة كهذه التي أقوم بها الآن، ولكن أين هذا السحر الذي كنت أشيعه حين أدخل إلى الحفلات؟ لقد أصبح نوعا جديدا من الأجواء، وهو جميل أيضا، فيه احترام كبير وإجلال، أهو لي أم هو لزوجي؟ التساؤل لا يحتاج إلى إجابة، ولكن ما البأس؟ ما الفرق بيني وبين زوجي؟ ماذا سيفعل حين يعرف؟ ••• - ما رأيك في إدارة الوقف يا يسري؟ - أعتقد أن نامق باشا موفق. - موفق؟! إذن أنت لا تعرف شيئا. - كيف؟ - إن المستحقين يكادون يموتون من الغيظ. - ألا ينالون حقوقهم؟ - لا بد أن يعرفوا حقوقهم أولا حتى يعرفوا إن كانوا ينالونها أم لا. - لاحظ الهانم يا يسري؟ - ألا تراني أهمس؟ ••• - إنني سعيدة لأني رأيتك يا نديرة. - إنني أنا السعيدة يا نازك هانم؛ فأنا أسمع عنك كثيرا. - لا تصدقي كل ما تسمعينه. - إنني أصدق المتحدث المحايد. - هل أنت متأكدة من حياده؟ - الحديث دائما ينبئ عن حياد المتحدث أو تحيزه. - ولعل هذا المتحدث لا يذكرني بشر؟ - إن هذه الأحاديث هي التي جعلتني سعيدة بلقائك. - أرجو أن أكون عند حسن ظنك. - إن الطريقة التي قابلتني بها وحدها تكفي لتدل على ذكائك وسعة أفقك. - وأنت هل أنت سعيدة مع يسري؟ - أيهمك حقا أن تعرفي؟ - إنني أعتبرك مثل نادر ابني. - فارق السن بيننا لا يسمح بهذا. - أشكر لك هذه المجاملة، ولكني زوجة أبيك؛ فأنت عندي مثل نادر. - إنني أحب أن أكون كذلك. - لقد هربت من الإجابة. - بل نسيت السؤال. - أعتقد أنك تذكرين السؤال. - أنت مصممة على معرفته؟ - أصبحت الآن غير مصممة. - عرفت الإجابة إذن؟ - لو كنت سعيدة السعادة التي أتمناها ما تهربت. ••• - ألم أقل لك إنني أخشى على نفسي؟ - هل تحققت خشيتك؟ - بدأت تتحقق. - لا بد أن تتماسك. - أنكسر. - وإن لم تتماسك تنكسر أيضا. - ولكني سأظل أحيا. - الكل يحيا. - أنت لا تدرين. - مهما تكن حياتك الآن باهرة في عينيك فهي لا تساوي أن تنكسر. - إن بعدي عن هذه الحياة تحطيم. - يخيل إليك. - بل يخيل إليك أنت لأنك لا تعرفين. - أرجو أن تظل كما أنت. - ما رأيك لو تقدمت لخطبتك؟ •••
وعندما عاد نامق من سفره: نازك هانم أنت ممنوعة من الخروج تماما. - سجن هو؟ - لا مناقشة. ربي ابنك ولا خروج.
وطنت في أذنها ربي ابنك، إذن فهذا هو ما تريد، إذن سأربيه.
11
لم تعد تستطيع أن تخرج، بل أصبحت إقامتها في البيت إقامة دائمة لا يقطعها شيء إلا الملالة، أما هو فقد أصدر أمره واعتبره شيئا طبيعيا لا يحتاج إلى مناقشة، وظلت معاملته لها بعد ذلك كما هي لا تغير فيها. فإن حاولت يوما أن تناقش هذا الأمر قطع الحديث في حسم. - لا مناقشة في هذا.
ثم يعود إلى ما كان فيه من حديث، وتزداد هي غيظا وتوشك أن تنفجر، ولكنه هو يتظاهر بأنه لا يلحظ من شأنها شأنا، ويتحدث، يتحدث في كل شيء إلا هذا الذي تريد هي أن تتحدث فيه لتفك الأمر الذي ألقي عليها. وقد حاولت بشتى طرق، حاولت بكل ما وهبته من ذكاء الأنثى وجمالها ودلالها، ولكنه كان صارما في أمره لا يقبل عنه حولا أو منصرفا.
وفي هذه المحاولات منها مرت سنوات ثلاث فلم تجد السنون ولا الحيلة. وإنما نتج عن هذه السنين وعن هذه الحيلة شيء آخر هو نادرة، حملت في هذه المرة حملا شرعيا لا شك في شرعيته من الناحية الفقهية للشرع، ولكنه حمل غير مشروع لأنها كانت قد كرهت نامق كرها استقر في أعماق نفسها.
فهي إن تكن قد وهبت له نفسها في نادر هبة المحبة أو هبة المعجبة أو هبة المستهترة، فإنها وهبته نفسها في نادرة هبة الزوجة التي لا تملك إلا أن تهب نفسها وهي كارهة، وكانت على هذا الكره تنتهز فرصة ميله لها فتلاطف وتتخاضع وتبدي له كل ما تستطيع امرأة فارهة الجمال متفجرة الأنوثة أن تبدي، فكان يتقبل منها ما تبديه وكأنه حق طبيعي لا يستحق معه أن يفكر في مشاعر هذه المرأة التي ارتبط مصيره بها؛ فقد كان زواجه منها في أول أمره زواجا خائفا تغشيه الشكوك بل يحيط به الهلع؛ فحين حطمت أوامره ألا تخرج إلا بإذن منه وجد نفسه مضطرا أن يمنعها من الخروج منعا مطلقا ولم يعبا بما قد يقوله الناس، فلأن يقال عنه قاس لا يعرف الرحمة خير من أن يقال عنه مغفل لا يدري ما يجري وراء ظهره. كان لكل من نامق ونازك منطقه، وهما منطقان من شأنهما أن يتصادما ولا سبيل لهما أن يساير أحدهما الآخر.
كرهته ولم تستطع أن تظهر هذا الكره، وقد كان هو في زهوة مركزه لا يتصور أن امرأته تكرهه.
وكان لا بد لهذا الكره أن يتفجر في مكان ما، وقد تفجر.
ناپیژندل شوی مخ