نطيعك، فأمرهم فسرّحوا السوام والضعفاء بليل وهم يريدون أن يظعنوا من منزلهم ذلك، ثم ارتحلوا في الصبح فأصبحوا على ظهر دوابّهم «١»، وقد مضى سوامهم وضعفاؤهم، فلما أصبحوا طلعت الخيل عليهم من الثنايا، فقال: خذوا غير طريق المال فإنه لا حاجة للقوم أن يقعوا في شوكتكم ولا يريدون بكم في أنفسكم «٢» شرا من ذهاب أموالكم، فأخذوا غير طريق المال. فلما أدرك حذيفة الأثر ورآه قال:
أبعدهم الله، وما خيرهم بعد ذهاب أموالهم؟! فاتبع المال، وسارت ظعن بني عبس والمقاتلة من ورائهم، وتبع حذيفة وبنو ذبيان المال، فلما أدركوه ردّوا أوله على آخره، ولم يفلت منهم شيء، وجعل الرجل يطرد ما قدر عليه من الإبل فيذهب بها، وتفرقوا واشتدّ الحر، فقال قيس بن زهير: يا بني عبس إن القوم قد فرق بينهم المغنم، فاعطفوا الخيل في آثارهم، ففعلوا فلم يشعر بنو ذبيان إلا بالخيل دواس «٣» - يعني متتابعة- فلم يقاتلهم كثير «٤» أحد، وجعل بنو ذبيان إنما همة الرجل منهم في غنيمته أن يحوزها وينجو بها، فوضع بنو عبس السلاح فيهم حتى ناشدهم بنو زياد البقية، ولم يكن لهم هم غير حذيفة فأرسلوا مجنبتين يقتفون أثره، وأرسلوا خيلا مقدمة تنفض الناس وتسألهم حتى سقط على أثر حذيفة من الجانب الأيسر أبو عنترة شداد بن معاوية بن ذهل بن قراد بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس وعمرو بن الأسلع وقرواش بن هنيّ والحارث بن زهير وجنيدب بن زيد، وكان حذيفة استرخى حزام فرسه، فنزل عنه فوضع رجله على حجر مخالفة أن يقتصّ أثره، ثم شدّ الحزام فوضع صدر قدمه على الأرض فعرفوه بحنف «٥» فرسه فاتبعوه، ومضى حذيفة حتى استغاث بجفر الهباءة»
- الجفر: ما لم يطو من الآبار- وقد اشتد عليه الحر فرمى بنفسه فيه، ومعه حمل بن بدر وحنش بن عمرو وورقاء بن بلال وأخوه، وهما من بني عدي بن فزارة، وقد نزعوا سروجهم وطرحوا سلاحهم ووقعوا في الماء فتمعكت دوابهم، وبعثوا ربيئة فجعل يطّلع وينظر فإذا لم ير شيئا رجع فنظر نظرة فقال: إني قد رأيت شخصا كالنعامة أو كالطير فوق القتادة من قبل مجيئنا، فقال حذيفة «٧» هذا شداد على جروة، فحال بينهم وبين الخيل، ثم جاء عمرو بن
1 / 61