224

حدثنا من حضر خطبة علي عليه السلام التي تسمى: (الغراء) خطبها في مسجد الكوفة، فكان مما حفظ منها بعد أن حمدالله، وأثنىعليه بما هو أهله، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن قال:

الحمدلله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحوزه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الذي علا بكل مكرمة، وبان بكل فضيلة، وجل عن شبه الخليقة، وتنزه عن الأفعال القبيحة، وصدق في ميعاده، وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه، وأحسن إليهم في قسمه، ولا إله إلا هو الواحد القهار، العزيز الجبار، الذي لم يتناه في الأوهام بتحديد، ولم يتمثل في العقول بتصوير، ولم تنله مقاييس المقدرين، ولا استخرجته نتائج الأوهام، ولا أدركته تصاريف الاعتبار، فأوجدته سبحانه محدودا، ولا شخصا مشهودا، ولا وقتته الأوقات فتجري عليه الأزمنة والغايات، ولم يسبقه حال فيجري عليه الزوال.

فسبحانه من عظيم عظم أمره، ومن كبيركبر قدره، ليس بذي كبر امتدت عليه النهايات فكبرته تجسدا، ولا بذي عظم ألتحقت به الغايات فعظمته تجسيما، علا عن التجسيم والتجسيد والتصوير والتحديد علوا كبيرا، شواهده بذلك قائلة، وأحكامه فيه فاصلة، قد أجمعت العقول عليها بدلالتها، فظهر لديها تبيان حكمتها حتى جلت عن المرتابين البهم، وكشفت عنهم الظلم(1).

قال السيد أبو طالب الحسني رضوان الله تعالى عليه: معنى قوله عليه السلام: (لا تدركه الشواهد): أنه تعالى لا يدرك من طريق المشاهدة، وأصل الشاهد بالحقوق مأخوذ من المشاهدة، ولهذا يقال: عرفت هذا الأمر من شاهد الحال.

وقوله: (لم يتناه في الأوهام) بتحديد معناه، إنما يقع في الأوهام من صفات المحدودين، فالله مخالف له، ومنزه عنه؛ لأنه ليس بمحدود.

مخ ۲۲۴