219

إن هذا الجهاد باب من أبواب الجنة، من تركه ألبسه الله الذلة، وسيم الخسف، وديث بالصغار، وقد دعوتكم إلى جهاد هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا، وقلت لكم: أغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. فتثاقلتم وتواكلتم، وثقل عليكم ذلك، حتى شنت عليكم الغارات، هذا أخو غامد قد نزلت خيله الأنبار، وقتلوا حسان بن حسان، ورجالا صالحين ونساء، ولقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع رعاثها وحجلها(1)، ثم انصرفوا موفورين، لم يكلم أحد منهم كلما، والله لو أن امرء مسلما مات من دون هذا أسفا لما كان عندي بذلك ملوما، بل كان عندي جديرا، يا عجبا، عجب يميت القلب ويكثر الهم، ويبعث الأحزان من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وفشلكم عن حقكم، حتى صرتم غرضا ترمون، ولا ترمون، وتغزون ولا تغزون، ويغار عليكم ولا تغيرون، ويعصى الله وترضون، يا أشباه الرجال، ولا رجال أحلام الأطفال، وعقول ربات الحجال، إذا قلت لكم: اغزوهم في الحر. قلتم: هذه حمارة القيظ، فمن يغزو فيها أمهلنا حتى ينسلخ الحر عنا، وإذا قلت لكم: اغزوهم في البرد. قلتم: هذه أيام قروص، أمهلنا حتى ينسلخ القر عنا. فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون، فأنتم والله من السيف أفر، أما والله لوددت أني لم أركم، ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندما، قاتلكم الله لقد ملئتم قلبي غيظا، وأفسدتم علي رأي بالخذلان حتى لقد بلغني أن قريشا تقول إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا رأي له بالحروب، لله أبوهم وهل منهم أشد لها مراسا مني، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا الآن قد نيفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

قال: فقام رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا وأخي كما قال الله تعالى: {لا أملك إلا نفسي وأخي} فها أنا وهذا أخي، فمرنا بأمرك، فوالله لنضربن دونك، ولو حال بيننا جمر الغضا، وشوك القتاد. قال، فقال علي عليه السلام: يرحمكما الله، وأين تقعان مما أريد.

أخبرنا محمد بن علي العبدكي، قال: حدثنا محمد بن يزداد، قال: حدثنا علي بن الحسين الوارق البغدادي، قال: حدثنا أحمد بن عبدالله، قال: حدثني [محمد] ابن سنان، عن الضحاك،

عن النزال بن سبرة، أن رجلا قام إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، كيف كان ربنا ؟ فقال:

كيف لم يكن، وربنا لم يزل تبارك وتعالى، وإنما يقال لشيء لم يكن: (( كيف كان ))؟ فأما ربنا فهو قبل القبل، وقبل كل غاية، انقطعت الغايات عنده، فهو غاية كل غاية.

فقال: كيف عرفته؟ قال:

أعرفه بما عرف به نفسه: {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد}، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، متدان في علوه، عال في دنوه، {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا}[المجادلة:7]، قريب غير ملتصق، وبعيد غير متقص، يعرف بالعلامات، ويثبت بالآيات، يوحد، ولا يبعض، يحقق ولا يمثل، لا إله إلا هو الكبير المتعال(1).

مخ ۲۱۹